الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 353 ] ومن قال لمسلم : يا فاسق ، أو يا خبيث ، أو يا كافر ، أو يا سارق ، أو يا مخنث عزر; وكذلك يا حمار يا خنزير إن كان فقيها أو علويا . ومن حده الإمام أو عزره فمات فهو هدر وللزوج أن يعزر زوجته على ترك الزينة ، وترك إجابته إلى فراشه ، وترك غسل الجنابة ، وعلى الخروج من المنزل ، ومن سرق ، أو زنى ، أو شرب غير مرة فحد فهو للكل .

التالي السابق


فصل

[ التعزير ]

( ومن قال لمسلم : يا فاسق ، أو يا خبيث ، أو يا كافر ، أو يا سارق ، أو يا مخنث عزر ) لأنه آذاه بذلك وألحق به الشين ، والحدود لا تثبت قياسا فوجب التعزير لينزجر عن ذلك ويعتبر غيره . وفي المجرد عن أبي حنيفة : يا شارب الخمر ، يا خائن يعزر ; وكذلك لو قال : أنت تأوي اللصوص ، أو تأوي الزواني لما بينا .

[ ص: 354 ] ( وكذلك يا حمار يا خنزير إن كان فقيها أو علويا ) وكذلك يا ثور يا كلب لأنه يلحقه بذلك الأذى دون الجاهل العامي . وقيل : يعزر في حق الكل في عرفنا لأنهم صاروا يعدونه سبا . وقيل لا يعزر في حق الكل لأنا تيقنا بنفيه فما لحقه به شين ، وإنما لحق القاذف شين الكذب ، ولأنه إنما يشبه بهذه الأشياء لسوء خلقه أو قبيح خلقه وليس ذلك بمعصية . رجل زنا بامرأة ميتة يعزر .

قال : ( ومن حده الإمام أو عزره فمات فهو هدر ) لأنه مأمور من جهة الشرع فلا يتقيد بالسلامة كالفساد ، أو نقول : استوفى حق الله تعالى بأمره فكأن الله تعالى أماته بغير واسطة فلا يجب الضمان .

قال : ( وللزوج أن يعزر زوجته على ترك الزينة ) إذا أرادها ( وترك إجابته إلى فراشه ، وترك غسل الجنابة ، وعلى الخروج من المنزل ) لأنه يجب عليها طاعته وطاعة الله تعالى فتعزر على المخالفة .

قال : ( ومن سرق ، أو زنى ، أو شرب غير مرة فحد فهو للكل ) لأن المقصود الانزجار وأنه يحتمل حصوله بالأول فيتمكن في الثاني شبهة عدم المقصود فلا يجب; أما لو زنى وشرب وسرق فإنه يجب لكل واحد حد على حدة ، لأنه لو ضرب لأحدها ربما اعتقد أنه لا حد في الباقي فلا ينزجر عنها ، ولا كذلك إذا اتحدت الجناية; ولو أقيم على القاذف تسعة وسبعون سوطا فقذف آخر لم يضرب إلا ذلك السوط للتداخل ، فإنه مما يتداخل لغلبة حق الشرع ، ولأن المقصود إظهار كذبه ليندفع به العار عن المقذوف ، وذلك يحصل في حقهما بالسوط الواحد .

وإذا اجتمع حد الزنا والسرقة والشرب والقذف وفقء العين ، يبدأ بالفقء لكونه خالص حق العبد ، وحق العبد مقدم لحاجته واستغناء الله تعالى ، ويحبس حتى يبرأ ، فإذا برأ يحد للقذف لما فيه من حق العبد ، ويحبس حتى يبرأ ، لأنه لو جمع بين حدين ربما تلف ، والتلف ليس بواجب; فإذا برأ فللإمام إن شاء بدأ بالقطع ، وإن شاء بحد الزنا لاستوائهما في الثبوت ، وآخرها حد الشرب لأنه ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فكان دون ما ثبت بالكتاب; وإن كان محصنا بدأ بالفقء ، ثم حد القذف ، ثم الرجم ، ويسقط الباقي لأن القتل يأتي على [ ص: 355 ] النفس فيؤدي إلى إسقاط بعض الحدود وقد أمرنا بذلك ، وإن كان مع ذلك قتل ضرب للقذف ثم يضمن بالسرقة ثم قتل وسقط عنه الباقي ، نقل ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم .




الخدمات العلمية