الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 88 ] فصل

[ باب قضاء الفوائت ]

ويقضي الفائتة إذا ذكرها كما فاتت سفرا أو حضرا ، ويقدمها على الوقتية إلا أن يخاف فوتها ، ويرتب الفوائت في القضاء ويسقط الترتيب بالنسيان ، وخوف فوت الوقتية ، وأن تزيد على خمس ( ز ) وإذا سقط الترتيب لا يعود ، ويقضي الصلوات الخمس والوتر ، وسنة الفجر إذا فاتت معها ، والأربع قبل الظهر يقضيها بعدها .

التالي السابق


فصل

( ويقضي الفائتة إذا ذكرها كما فاتت سفرا أو حضرا لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره " ، وقوله : كما فاتت لأن القضاء يحكي الأداء .

قال : ( يقدمها على الوقتية إلا أن يخاف فوتها ، ويرتب الفوائت في القضاء ) والأصل أن الترتيب شرط بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت ، لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نسي [ ص: 89 ] صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الأمام ثم ليصل التي نسي ، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام " ، فلو لم يكن الترتيب شرطا لما أمره بالإعادة ، وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - فاتته أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن على الترتيب وقال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .

قال : ( ويسقط الترتيب بالنسيان ، وخوف فوت الوقتية ، وأن تزيد على خمس ) أما النسيان فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " الحديث ، وما تقدم من الحديث ، ووجهه أن وقت الفائتة وقت التذكر ، فإذا لم يذكرها فهما صلاتان لم يجمعها وقت واحد فلا يجب الترتيب ، وأما خوف فوت الوقتية فلأن الحكمة لا تقتضي إضاعة الموجود في طلب المفقود ، ولأن وجود الوقتية ثبت بالكتاب والترتيب ثبت بخبر الواحد ، فإن اتسع الوقت عمل بها وإن ضاق فالعمل بالكتاب أولى; وأما كثرة الفوائت فحده دخول وقت السابعة ؛ لأن الكثرة بالتكرار ، والتكرار بوجوب السادسة ، ووجوبها بآخر الوقت ، وإنما يتحقق التكرار بدخول وقت السابعة . وهذا معنى قولنا أن تزيد على خمس ، لأنه متى زادت الفوائت على خمس تكون ستا ، ومتى صارت ستا دخل وقت السابعة .

وقال محمد : إذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب ؛ لأن الجنس كثير ، وجنس الصلاة خمس ، وهذا في الفوائت الحديثة ، أما القديمة فالصحيح أنها لا تضم إليها لما فيه من الحرج ، وقيل تضم عقوبة له .

( وإذا سقط الترتيب ) بالكثرة هل يعود إذا قلت ؟ المختار أنه : ( لا يعود ) لأنه لما سقط باعتبارها فلأن يسقط في نفسها أولى . وصورته لو فاتته صلاة شهر فقضى ثلاثين فجرا ثم ثلاثين ظهرا وهكذا صح الجميع ، ولا يعود الترتيب لأن الساقط لا يحتمل العود ، وكذا لو قضى جميع الشهر إلا صلاة يوم ثم صلى الوقتية وهو ذاكر لها جاز لما بينا ، ولا تعد الوتر في الفوائت لأنها [ ص: 90 ] ليست من الفرائض ، ولأنها لو عددناها كملت الست ، ولا يدخل في حد التكرار وهو المأخوذ في الكثرة .

( ويقضي الصلوات الخمس ) لما روينا .

( والوتر ) لما بينا من وجوبها ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : " من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره أو إذا استيقظ " ، وفي رواية : " من نام عن وتر فليصل إذا أصبح " ، فكل ذلك يدل على الوجوب .

( وسنة الفجر إذا فاتت معها ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - قضاها معها ليلة التعريس . وعن محمد أنه يقضيها وإن فاتت وحدها ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - قضاها دون غيرها من السنن فدل على اختصاصها بذلك .

( والأربع قبل الظهر يقضيها بعدها ) قالت عائشة : كان رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها بعد الظهر ، ولأن الوقت وقت الظهر وهي سنة الظهر ، ثم عند أبي يوسف يقضيها قبل الركعتين لأنها شرعت قبلها ، وعند محمد بعدها لأنها فاتت عن محلها ، فلا يفوت الثانية عن محلها أيضا ، وهذا بخلاف سنة العصر ، لأنها ليست مثلها في التأكيد ، ولنهيه - عليه الصلاة والسلام - عن الصلاة بعد العصر .




الخدمات العلمية