الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل الثاني : انتفاء الشبهة ، فإن وطئ جارية ولده ، أو جارية له فيها شرك ، أو لولده ، أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته ، أو دعا الضرير امرأته أو جاريته ، فأجابه غيرها ، فوطئها ، أو وطئ في نكاح مختلف في صحته ، أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها ، أو لم يعلم بالتحريم ، لحداثة عهده بالإسلام ، أو نشوئه ببادية بعيدة ، أو أكره على الزنا ، فلا حد عليه ، وقال أصحابنا : إن أكره الرجل فزنى حد ، وإن وطئ ميتة ، أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها ، فهل يحد ، أو يعزر ؛ على وجهين . وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه ، كنكاح المزوجة والمعتدة ، والخامسة ، وذوات المحارم من النسب والرضاع ، أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره ، وزنى بها ، أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة ، أو بامرأة ثم تزوجها ، أو بأمة ثم اشتراها ، أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنونا أو صغيرا فوطئها ، فعليهم الحد .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( الثاني : انتفاء الشبهة ) لقوله عليه السلام : ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم ( فإن وطئ جارية ولده ) فلا حد عليه في قول أكثرهم ، لأنه وطء تمكنت الشبهة فيه كوطء الجارية المشتركة ، يدل عليه قوله عليه السلام : أنت ومالك لأبيك أضاف مال ولده إليه وجعله له ، فإذا لم تثبت حقيقة الملك ، فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يدرأ بالشبهة ، وفي الرعاية : من وطئ أمة ولده ولم ينو تملكها به ، ولم يكن ابنه وطئها ، وقيل : أو كان ، عزر في الأشهر بمائة سوط ، وقيل : إن حملت منه ملكها ، وإلا عزر ، وإن كان ابنه وطئها حد الأب مع علمه به ( أو جارية له فيها شرك ) فكذلك ، لأنه فرج له فيه ملك ، أشبه المكاتبة والمرهونة ، وظاهره : ولو لبيت المال ، صرح به في الرعاية ، إذا كان له فيه حق ( أو لولده ) لأن الشرك في إسقاط الحد كملك الكل ( أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته فوطئها ) فلا حد عليه ، لأنه وطء اعتقد إباحته بما يعذر مثله فيه ، أشبه ما لو قيل له هذه زوجتك بغير خلاف نعلمه ، لكن عليها الحد إن علمت أنه أجنبي ( أو دعا [ ص: 71 ] الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها ، فوطئها ) وظنها المدعوة ، كما لو زفت إليه غير زوجته ، وقيل له : هذه زوجتك ، بخلاف ما لو دعا محرمة عليه ، فأجابه غيرها ، فوطئها يظنها المدعوة ، فعليه الحد ، سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة ، كالجارية المشتركة ، أو لم يكن ، لأنه لا تعذر بهذا ، أشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبيا ( أو وطئ في نكاح ) أو ملك ( مختلف في صحته ) يعتقد تحريمه كمتعة وبلا ولي ، وشراء فاسد بعد قبضه ، وقيل : أو قبله ، لأن الوطء فيه شبهة ، وعنه : يحد ، اختاره الأكثر في وطء بائع بشرط خيار ، ولو لم يجد ، ذكره أبو الحسين وغيره ، فلو حكم بصحته توجه خلاف ، وكذا وطؤه بعقد فضولي ، وفي ثالث إن وطئ قبل الإجازة حد ، وإلا عزر ، واختار في المحرر : يحد قبلها إن اعتقد أنه لا ينفذ بها ، وحكي رواية ( أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها ) لأن الوطء قد صادف ملكا ، فكان شبهة ، وقد حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه أنه يدرأ بالشبهة ( أو لم يعلم بالتحريم ، لحداثة عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة ) قبل منه ، لأنه يجوز أن يكون صادقا ، وظاهره : أنه إذا لم يكن كذلك ، أو نشأ بين المسلمين أنه لا يقبل منه ، لأنه لم يخف عليه ( أو أكره على الزنا فلا حد عليه ) نقول لا حد على مكرهة على الزنا في قول عامتهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . رواه النسائي . وعن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه : أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد . رواه الأثرم ، ورواه سعيد عن عمر ، ولأن هذا شبهة والحد يدرأ بها ، ولا فرق في [ ص: 72 ] الإكراه بالإلجاء ، وهو : أن يغلبها على نفسها ، أو بالتهديد بالقتل ونحوه ، نص عليه في راع أو منع طعام مع اضطرار ، وكذا المفعول به لواطا قهرا ( وقال أصحابنا : إن أكره الرجل فزنى حد ) نص عليه ، وقدمه في الفروع ، وهو المذهب ، لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث والاختيار ، بخلاف الإكراه ، وعنه : لا حد عليه ، صححه في المغني والشرح لعموم الخبر ، ولأن الإكراه شبهة ، وكما لو استدخلت ذكره وهو نائم ، وعنه فيهما : لا حد إلا بتهديد ونحوه ، قال الشيخ تقي الدين : بناء على أنه لا يباح بالإكراه الفعل لا القول ، قال القاضي وغيره : إن خافت على نفسها القتل سقط عنها الدفع ، كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف ( وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها ، فهل يحد ، أو يعزر ؛ على وجهين ) وهما روايتان .

                                                                                                                          إحداهما : يحد بوطء ميتة ، قدمها في الرعاية ، لأنه إيلاج في فرج محرم ، لا شبهة له فيه ، أشبه الحية ، ولأنه أعظم ذنبا .

                                                                                                                          والثانية : لا يحد اختارها أبو بكر ، وجزم بها في الوجيز ، لأنه لا يقصد ، فلا حاجة إلى الزجر عنه ، فعليها يعزر ، ونقل عبد الله : بعض الناس يقول عليه حدان ، فظننته يعني نفسه ، قال أبو بكر : وهو قول الأوزاعي ، وهذا بخلاف طرف ميت لعدم ضمان الجملة لعدم وجود قتل بخلاف الوطء ، وأما من تحرم عليه بالرضاع إذا وطئها فعنه : يحد ، وذكره القاضي عن أصحابنا ، لأنه لا يستباح بحال كالمحرمة بالنسب ، وكفرج الغلام ، وعنه : لا ، وجزم بها في الوجيز ، لأنها مملوكة أشبهت مكاتبته ، ولأنه وطء اجتمع فيه موجب ومسقط ، والحد يبنى على الدرء والإسقاط [ ص: 73 ] فإذا لم يحد عزر ، وعنه : مائة سوط وكذا إذا وطئ أمته المزوجة ، أو المعتدة ، أو المرتدة ، أو المجوسية ( وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه ) والمنصوص مع علمه ( كنكاح المزوجة ) لأنه وطء لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك ، فأوجب الحد عملا بالمقتضى ، وقد روي عن عمر أنه رفع إليه امرأة تزوجت في عدتها ، فقال : هل علمتما ؛ فقالا : لا ، فقال : لو علمتما لرجمتكما . رواه أبو نصر المروزي . ولأنه إذا وجب الحد بوطء المعتدة ، فلأن يجب بوطء المزوجة بطريق الأولى ( والمعتدة ) فلو قال : جهلت فراغ المعتدة ، وأمكن صدقه ، صدق ( والخامسة ) لعدم إباحتها ( وذوات المحارم من النسب والرضاع ) للعموم ، وعنه فيمن وطئ ذوات محارمه : يقتل بكل حال ، رجحه في الشرح لأخبار ، وعنه : ويؤخذ ماله لبيت المال ، لما روى البراء ، قال : لقيت عمي ومعه الراية ، فقلت : إلى أين تريد ؛ فقال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده ، أن أضرب عنقه ، وآخذ ماله . رواه أبو داود والجوزجاني .

                                                                                                                          مسألة : حكم من زنى بحربية مستأمنة ، أو نكح بنته من الزنا كذلك ، نص عليه ، وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف ( أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره ، وزنى بها ) لعموم الآية والأخبار ، ووجود الإجارة كعدمها ، ولأنه وطء في غير ملك أشبه ما لو كان له عليها دين وتغير الحال ، لا يسقط الحد كما لو مات ( أو زنى بامرأة له عليها القصاص ) لأن استحقاق قتلها لا يوجب إباحة وطئها ، فلا تؤثر فيه شبهة ، فوجب أن يجب الحد عملا بالنصوص ، وقيل : من وطئ أمة له عليها قود لم يحد ، إن قلنا : إنه يملكها به ، وسئل أحمد : هل عليه [ ص: 74 ] عقرها ؛ قال : لا شيء عليه ، هي له ( أو بصغيرة ) يوطأ مثلها ، نقله الجماعة ، وصححه في المغني والشرح ، لأنها كالكبيرة في ذلك ، وقيل : أو لا ، وهو ظاهر كلامه هنا ، وقال القاضي : لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعا ، لأنه لا يشتهى مثلها ، وكما لو استدخلت ذكر صبي لم يبلغ عشرا ، ورده المؤلف لعدم التوقيف فيه ( أو مجنونة ) لأن الواطئ من أهل وجوب الحد ، وقد فعل ما يوجبه ، فوجب أن يترتب عليه مقتضاه ( أو بامرأة ثم تزوجها ، أو بأمة ثم اشتراها ) لأن النكاح والملك وجدا بعد وجوب الحد ، فلم يسقط ، كما لو سرق نصابا ثم ملكه ، أو أقر عليها ، فجحدت كسكوتها ( أو أمكنت العاقلة ) أي : المكلفة ( من نفسها مجنونا أو صغيرا ) وقيل : ابن عشر ( فوطئها ، فعليهم الحد ) أي : عليها الحد ، لأن سقوطه عن أحد المتواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر ، كما لو زنى المستأمن بمسلمة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية