الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ثم يقول : الله أكبر ، لا يجزئه غيرها ، فإن لم يحسنها لزمه تعلمها ، فإن خشي فوات الوقت ، كبر بلغته ، ويجهر الإمام بالتكبير كله ، ويسر غيره به وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه ، ويرفع يديه من ابتداء التكبير ممدودة الأصابع ، مضمومة بعضها إلى بعض ، إلى حذو منكبيه ، أو إلى فروع أذنيه ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يقول ) قائما في فرض مع القدرة ( الله أكبر ) إلا بها نطقا [ ص: 428 ] وما روي عن بعضهم أنه سنة ، وأن الدخول فيها يكفي فيه مجرد النية . فقال النووي : إنه لا يصح عنهم مع هذه الأحاديث ( لا يجزئه غيرها ) نص عليه لما روى علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي مرسلا ، قال الترمذي : هذا أصح شيء في هذا الباب ، والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ، ثم يستقبل القبلة ، ويقول : الله أكبر رواه أبو داود من حديث رفاعة ، وقال عليه السلام للمسيء في صلاته : إذا قمت فكبر متفق عليه . ولم ينقل أنه كان يستفتحها بغير ذلك ، فلا تنعقد بقول : الله أكبر أو الكبير أو الجليل ، ولا : الله أقبر بالقاف ، ولا : الله فقط ، وقيل : يكره ، وتصح في الأوليين ، وظاهره أنه إذا نكسه لا يصح ، وهو المشهور .

                                                                                                                          مسألة : إذا مد همزة الله ، لم تنعقد ؛ لأنه غير المعنى ، فصار استفهاما ، وكذا إن قال : أكبار ، لأنه يعني جمع كبر ، وهو الطبل ، وإن مططه كره مع بقاء المعنى وصحت .



                                                                                                                          فرع : إذا تممه راكعا ، أو أتى به فيه ، أو كبر قاعدا ، أو أتمه قائما ، انعقدت في الأصح نفلا ، كسقوط القيام فيه ، ويدرك الركعة إن كان الإمام في نفل ، ذكره القاضي ( فإن لم يحسنها لزمه تعلمها ) لأنها ركن في الصلاة ، فلزمه تعلمها كالفاتحة ، زاد في " الرعاية " في مكانه أو فيما قرب منه ، وقال في " التلخيص " : إن كان في البادية لزمه قصد البلد لتعلمه ، ولا تكفيه الترجمة بدلا ، بخلاف [ ص: 429 ] التيمم ( فإن ) عجز أو ( خشي فوات الوقت كبر بلغته ) ذكره السامري ، وغيره ، وصححه ابن تميم ، وجزم به في " الوجيز " وقدمه في " الفروع " لأنه عجز عن اللفظ فلزمه كلفظة النكاح ، وعنه : لا يكبر إلا بالعربية ، اختاره الشريف لأنه ذكر تعينت صيغته ، فلم يترجم عنه ، كالقراءة ، وكالقادر فيحرم بقلبه ، وقيل : يجب تحريك لسانه ، وإن قدر على البعض قاله ، وحكم الذكر الواجب كالتكبير في ذلك ، بخلاف المسنون ، فإنه لا يأتي به بغير العربية ، نص عليه ، فإن ترجم عنه بطلت .



                                                                                                                          فرعان : الأول : إذا عرف لسانا فارسيا ، وسريانيا فثالثها يخير ، ويقدمان على التركي ، وقيل : يخير كما يخير بين التركي والهندي .

                                                                                                                          الثاني : يلزم الأخرس ، ومن سقط عنه النطق ، تحريك لسانه بقدر الواجب من القراءة ونحوها ، ذكره القاضي ، وصاحب " التلخيص " وغيرهما ، لأن الصحيح يلزمه النطق بتحريك لسانه ، فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر ، واختار المؤلف ، ورجحه في " الشرح " لا ، كمن سقط عنه القيام سقط عنه النهوض إليه ، وإن قدر عليه ، لأنه عبث ، ولم يرد الشرع به كالعبث بسائر جوارحه ، وإنما لزم القادر ضرورة .



                                                                                                                          ( و ) يستحب أن ( يجهر الإمام بالتكبير كله ) بحيث يسمع من خلفه ، وأدناه سماع غيره ، وذلك مطلوب لما فيه من متابعة المأمومين لإمامهم ، وكذا جهره بتسميع وسلام ، وقراءة في جهرية ، فإن لم يمكنه إسماعهم ، جهر به بعضهم ليسمعهم ، لما في الصحيح عن جابر قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر خلفه ، فإذا كبر [ ص: 430 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر أبو بكر يسمعنا وكذا حكم جهره بتحميد ، وسلام لحاجة فيسن ( ويسر غيره به ) أي : بالتكبير ( وبالقراءة ) لأنه لا حاجة إليه ، وربما لبس على المأمومين ، وإنما سن له الإسرار بها في حال إخفاء الإمام لا في حال جهره ، لأنه يسن له الإنصات ، والجمع بين مسنونية الإسرار ، والإنصات متناقض ( بقدر ما يسمع نفسه ) لأنه يجب على كل مصل أن يجهر بكل قول واجب بقدر ما يسمع نفسه ، لأنه لا يكون كلاما بدون الصوت ، وهو ما يتأتى سماعه ، وأقرب السامعين إليه نفسه ، وهذا ليس يفيد في مسنونية ذلك ، لأنه لو رفع صوته بحيث يسمع من يليه فقط لكان مسرا آتيا بالمقصود ، وهذا إن لم يمنع مانع من سماع نفسه ، فإن كان ، فبحيث يحصل السماع مع عدمه ( ويرفع يديه ) ندبا بغير خلاف نعلمه عند افتتاحها ، وليس بواجب اتفاقا ، ويقال لتاركه : تارك السنة ، وقال القاضي : لا بأس أن يقال : هو مبتدع; فإن عجز عن رفع إحدى يديه رفع الأخرى; فإن كانتا في كميه رفعهما لخبر وائل بن حجر ( مع ابتداء التكبير ) أي : يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير ، وانتهاؤه مع انتهائه ، نص عليه ، وهو الصحيح لما روى وائل بن حجر : أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع التكبير ولأن الرفع للتكبير فكان معه ، وعنه : يرفعهما قبل التكبير ، ثم يحطهما بعده ، لأنه ينفي الكبرياء عن غير الله ، وبالتكبير يثبتها لله ، والنفي مقدم ككلمة الشهادة ، وقيل : يخير ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، فإن ترك الرفع حتى فرغ من التكبير لم يرفع ، لأنها سنة فات محلها ( ممدودة الأصابع ) لقول أبي هريرة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مدا رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي بإسناد حسن ( مضموما بعضها إلى بعض ) هذا هو المذهب ، لأن [ ص: 431 ] الأصابع إذا ضمت تمتد ، وعنه : مفرقة ، لما روى أبو هريرة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر نشر أصابعه ذكره أحمد ، ورواه الترمذي ، وقال : إنه خطأ ، ثم لو صح كان معناه المد ، لأن النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب ، ويكون مستقبلا ببطونهما القبلة ، ذكره ابن تميم ، و " المبهج " و " الفروع " ولم يذكره آخرون منهم المؤلف ، وقيل : قائمة حال الرفع والحط ( إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ) ذكره في " التلخيص " وغيره ، واختاره الخرقي ، قال في " الفروع " : وهي أشهر ، لما روى ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ، ثم يكبر متفق عليه . وعن مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع إلى فروع أذنيه رواه مسلم ، وظاهره التخيير لصحة الرواية بهما ، وعنه : يرفعهما إلى منكبيه اختاره الأكثر ، وذكر في " الشرح " أن ميل أبي عبد الله إلى هذا أكثر لكثرة رواته من الصحابة ، وقربهم ، وعنه : إلى فروع أذنيه ، اختاره الخلال ، وصاحبه ، وعنه : إلى صدره ، ونقل أبو الحارث : يجاوز بهما أذنيه ، لأنه عليه السلام فعله ، وقال أبو حفص : يجعل يديه حذو منكبيه ، وإبهاميه عند شحمة أذنيه جمعا بين الأخبار ، وقاله في التعليق ، ومن لم يقدر على الرفع المسنون حسب إمكانه ، وإن لم يمكن رفعهما إلا بزيادة على أذنيه رفعهما ، لأنه يأتي بالسنة وزيادة ، ويسقط بفراغ التكبير كله .

                                                                                                                          فائدة : كشف يديه هنا ، وفي الدعاء أفضل ، ورفعهما إشارة إلى الحجاب بينه وبين ربه ، كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية ، ذكره ابن شهاب .




                                                                                                                          الخدمات العلمية