الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              وعلى هذا الترتيب يفهم حكم كثير من المسائل في مذهب مالك وغيره .

              ففي المذهب أن من حلف بالطلاق أن يقضي فلانا حقه إلى زمان كذا ، ثم خاف الحنث بعدم القضاء فخالع زوجته حتى انقضى الأجل ووقع الحنث وليست بزوجة ثم راجعها ، أن الحنث لا يقع عليه ، وإن كان قصده مذموما وفعله مذموما ; لأنه احتال بحيلة أبطلت حقا ، فكانت المخالعة ممنوعة ، وإن أثمرت عدم الحنث لأن عدم الحنث لم يكن بسبب المخالعة ، بل بسبب أنه حنث ، ولا زوجة له فلم يصادف الحنث محلا .

              وكذلك قول اللخمي فيمن قصد بسفره الترخص بالفطر في رمضان أن له أن يفطر ، وإن كره له هذا القصد ; لأن فطره بسبب المشقة اللازمة للسفر لا بسبب نفس السفر المكروه ، وإن علل الفطر بالسفر فلاشتماله على المشقة لا لنفس السفر ، ويحقق ذلك أن الذي كره له السفر الذي هو من كسبه ، والمشقة خارجة عن كسبه ، فليست المشقة هي عين المكروه له بل سببها ، والمسبب هو السبب في الفطر .

              [ ص: 380 ] فأما لو فرضنا أن السبب الممنوع لم يثمر ما ينهض سببا لمصلحة أو السبب المشروع لم يثمر ما ينهض سببا لمفسدة ، فلا يكون عن المشروع مفسدة تقصد شرعا ، ولا عن الممنوع مصلحة تقصد شرعا ، وذلك كحيل أهل العينة في جعل السلعة واسطة في بيع الدينار بالدينارين إلى أجل ، فهنا طرفان وواسطة : طرف لم يتضمن سببا ثابتا على حال كالحيلة المذكورة ، وطرف تضمن سببا قطعا أو ظنا كتغيير المغصوب في يد الغاصب ، فيملكه على التفصيل المعلوم ، وواسطة لم ينتف فيها السبب ألبتة ، ولا ثبت قطعا ، فهو محل أنظار المجتهدين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية