الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأدب باب قول الله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا

                                                                                                                                                                                                        5625 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال الوليد بن عيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول أخبرنا صاحب هذه الدار وأومأ بيده إلى دار عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني [ ص: 414 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 414 ] قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الأدب )

                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب البر والصلة ، وقوله - سبحانه وتعالى - ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) كذا للأكثر . وحذف بعضهم لفظ البر والصلة وبعضهم البسملة ، واقتصر النسفي على قوله كتاب البر والصلة إلخ . ووقع في أول " الأدب المفرد للبخاري " باب ما جاء في قول الله - تعالى - ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وكتاب الأدب المفرد يشتمل على أحاديث زائدة على ما في الصحيح وفيه قليل من الآثار الموقوفة ، وهو كثير الفائدة [1] . والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا ، وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق ، وقيل : الوقوف مع المستحسنات ، وقيل : هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك . وقيل : إنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام ، سمي بذلك لأنه يدعى إليه ; وهذه الآية وقعت بهذا اللفظ في العنكبوت وفي الأحقاف لكن المراد هنا التي في العنكبوت ، وقال ابن بطال : ذكر أهل التفسير أن هذه الآية التي في لقمان نزلت في سعد بن أبي وقاص ، كذا قال إنها التي في لقمان وليس كذلك ، وقد أخرج مسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال حلفت أم سعد لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه . قالت : زعمت أن الله أوصاك بوالديك ، فأنا أمك ، وأنا آمرك بهذا ، فنزلت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفا كذا وقع عنده ، وفيه انتقال من آية إلى آية ، فإن في آية العنكبوت وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم والمذكور عنده بعد قوله : وإن جاهداك على إلخ إنما هو في لقمان . [ ص: 415 ] وقد وقع عند الترمذي إلى قوله : حسنا الآية ، فقط ، ومثله عند أحمد لكن لم يقل " الآية " ، ووقع في أخرى لأحمد ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن - وقرأ حتى بلغ - بما كنتم تعملون وهذا القدر الأخير إنما هو في آية العنكبوت وأوله من آية لقمان ، ويظهر لي أن الآيتين مما كانتا في الأصل ثابتتين فسقط بعضهما على بعض الرواة ، والله أعلم . واسم أم سعد بن أبي وقاص حمنة - بفتح المهملة وسكون الميم بعدها نون - بنت سفيان بن أمية ، وهي ابنة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ، ولم أر في شيء من الأخبار أنها أسلمت . واقتضت الآية الوصية بالوالدين والأمر بطاعتهما ولو كانا كافرين ، إلا إذا أمرا بالشرك فتجب معصيتهما في ذلك ، ففيها بيان ما أجمل في غيرها ، وكذا في حديث الباب ، من الأمر ببرهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال الوليد بن عيزار أخبرني ) هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز ، وكان شعبة يستعمله كثيرا ، ووقع لبعضهم " العيزار " بزيادة ألف ولام في أوله ، وكذا تقدم في أوائل الصلاة مع كثير من فوائد الحديث ولله الحمد . وقال ابن التين : تقديم البر على الجهاد يحتمل وجهين : أحدهما : التعدية إلى نفع الغير ، والثاني : أن الذي يفعله يرى أنه مكافأة على فعلهما ، فكأنه يرى أن غيره أفضل منه ، فنبهه على إثبات الفضيلة فيه . قلت : والأول ليس بواضح ، ويحتمل أنه قدم لتوقف الجهاد عليه ، إذ من بر الوالدين استئذانهما في الجهاد لثبوت النهي عن الجهاد بغير إذنهما كما يأتي قريبا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية