الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان : زياد بن يحيى الحسانى . وعلي بن محمد بن علي بن موسى الرضا يوم الإثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة ببغداد . وصلى عليه أبو أحمد المتوكل في الشارع المنسوب إلى أبي أحمد ودفن بداره ببغداد . ومحمد بن [ ص: 502 ] عبد الله المخرمي . ومؤمل بن إهاب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما أبو الحسن علي الهادي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهو ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب أحد الأئمة الاثني عشر ، وهو والد الحسن بن علي العسكري المنتظر عند الفرقة الضالة الجاهلية الكاذبة الخاطئة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان عابدا زاهدا ، نقله المتوكل إلى سامرا فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات بها في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر للمتوكل أن بمنزله سلاحا وكتبا كثيرة من الناس فأرسل فكبسه فوجدوه جالسا مستقبل القبلة ، وعليه مدرعة من صوف وهو على بسيط الأرض ليس دونها حائل فأخذوه كذلك فحملوه إلى المتوكل وهو على شرابه ، فلما مثل بين يديه أجله وعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس الذي في يده فقال : يا أمير المؤمنين إنه لم يخالط لحمي ودمي قط ، فأعفني منه . فأعفاه ثم قال له : أنشدني شعرا . فأنشده :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل     واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا     ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أين الأسرة والتيجان والحلل [ ص: 503 ]     أين الوجوه التي كانت منعمة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من دونها تضرب الأستار والكلل     فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تلك الوجوه عليها الدود يقتتل     قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فبكى المتوكل حتى بل الثرى وبكى من حوله بحضرته وأمر برفع الشراب وأمر له بأربعة آلاف دينار ورده إلى منزله مكرما رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية