الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثالث : نظافته - صلى الله عليه وسلم -

          وأما نظافة جسمه ، وطيب ريحه وعرقه ، ونزاهته عن الأقذار ، وعورات الجسد فكان قد خصه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره ، ثم تممها بنظافة الشرع ، وخصال الفطرة [ ص: 153 ] العشر ، وقال : بني الدين على النظافة

          حدثنا سفيان بن العاصي ، وغير واحد ، قالوا : حدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا أبو العباس الرازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الجلودي ، قال : حدثنا ابن سفيان قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت ، عن أنس ، قال : [ ما شممت عنبرا قط ، ولا مسكا ، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] .

          وعن جابر بن سمرة : أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح خده ، قال : فوجدت ليده بردا ، وريحا ، كأنما أخرجها من جؤنة عطار . قال غيره : مسها بطيب أو لم يمسها ، يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها ، ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار أنس فعرق ، فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقه فسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقالت : نجعله في طيبنا ، وهو من أطيب الطيب .

          وذكر البخاري في تاريخه الكبير ، عن جابر : [ لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه ] .

          وذكر إسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بلا طيب ، - صلى الله عليه وسلم - .

          [ ص: 154 ] [ وروى المزني : عن جابر : أردفني النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه ، فالتقمت خاتم النبوة بفمي ، فكان ينم علي مسكا ] ، وقد حكى بعض المعتنين بأخباره ، وشمائله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه ، وبوله ، وفاحت لذلك رائحة طيبة - صلى الله عليه وسلم - .

          [ وأسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبرا عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى ! فقال : يا عائشة ، أوما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ، فلا يرى منه شيء ] ، وهذا الخبر ، وإن لم يكن مشهورا فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة الحدثين منه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي

          [ حكاه الإمام أبو نصر ابن الصباغ في شامله ] ، وقد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكي في كتابه البديع في فروع المالكية ، وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية ، وشاهد هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن منه شيء يكره ، ولا غير طيب .

          ومنه حديث علي - رضي الله عنه - : [ غسلت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئا ، فقلت : طبت حيا ، وميتا ، قال : وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط ] .

          ومثله قال أبو بكر - رضي الله عنه - حين قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته .

          ومنه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ، ومصه إياه ، وتسويغه - صلى الله عليه وسلم - ذلك له ، وقوله له : [ ص: 155 ] لن تصيبه النار ومثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته ، فقال - عليه السلام - : ويل لك من الناس ، وويل لهم منك ولم ينكر عليه ، وقد روي نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله ، فقال لها : لن تشتكي وجع بطنك أبدا ، ولم يأمر ، واحدا منهم بغسل فم ، ولا نهاه عن عودة ، وحديث هذه المرأة التي شربت بوله صحيح ألزم الدارقطني مسلما ، والبخاري إخراجه في الصحيح ، واسم هذه المرأة بركة ، واختلف في نسبها ، وقيل : هي أم أيمن وكانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل ، فبال فيه ليلة ، ثم افتقده ، فلم يجد فيه شيئا . فسأل بركة عنه ، فقالت : قمت وأنا عطشانة فشربته ، وأنا لا أعلم . روى حديثها ابن جريج ، وغيره ، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ولد مختونا مقطوع السرة .

          [ وروي عن أمه آمنة أنها قالت : قد ولدته نظيفا ما به قذر ] .

          [ ص: 156 ] وعن عائشة - رضي الله عنها - : [ ما رأيت فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط ] ، وعن علي - رضي الله عنه - : أوصاني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغسله غيري ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه ، وفي حديث عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : [ أنه نام حتى سمع له غطيط ، فقام فصلى ، ولم يتوضأ ] ، قال عكرمة : لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان محفوظا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية