الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المبحث الثالث

                        اشترط القائلون بالجمل شروطا سبعة :

                        ( الأول ) : أن يكون المقيد من باب الصفات ، مع ثبوت الذوات في الموضعين ، فأما في إثبات أصل الحكم ، من زيادة أو عدد فلا يحمل أحدهما على الآخر ، وهذا كإيجاب غسل الأعضاء الأربعة في الوضوء ، مع الاقتصار على عضوين في التيمم ، فإن الإجماع منعقد على أنه لا يحمل إطلاق التيمم على تقييد الوضوء ، حتى يلزم التيمم في الأربعة الأعضاء ، لما فيه من إثبات حكم لم يذكر ، وحمل المطلق على المقيد يختص بالصفات كما ذكرنا .

                        وممن ذكر هذا الشرط القفال الشاشي ، والشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والماوردي والروياني ، ونقله الماوردي عن الأبهري من المالكية ، ونقل الماوردي أيضا عن ابن خيران من الشافعية : أن المطلق يحمل على المقيد في الذات ، وهو قول باطل .

                        ( الشرط الثاني ) : أن لا يكون للمطلق إلا أصل واحد ، كاشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والوصية ، وإطلاق الشهادة في البيوع وغيرها ، فهي شرط في الجميع ، وكذا تقييد ميراث الزوجين بقوله تعالى : من بعد وصية توصون بها أو دين وإطلاق الميراث فيما أطلق فيه ، فيكون ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية [ ص: 482 ] والدين ، فأما إذا كان المطلق دائرا بين قيدين متضادين نظر ، فإن كان السبب مختلفا لم يحمل إطلاقه على أحدهما إلا بدليل ، فيحمل على ما كان القياس عليه أولى ، أو ما كان دليل الحكم عليه أقوى .

                        وممن ذكر هذا الشرط الأستاذ أبو منصور ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع والماوردي ، وحكى القاضي عبد الوهاب الاتفاق على اشتراطه . قال الزركشي وليس كذلك ، فقد حكى القفال الشاشي فيه خلافا لأصحابنا ولم يرجح شيئا .

                        ( الشرط الثالث ) : أن يكون في باب الأوامر والإثبات ، أما في جانب النفي والنهي فلا ; فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي ، وهو غير سائغ .

                        وممن ذكر هذا الشرط الآمدي ، وابن الحاجب ، وقالا : لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما ; لعدم التعذر ، فإذا قال لا تعتق مكاتبا ، لا تعتق مكاتبا كافرا ( لم يعتق مكاتبا كافرا ) ولا مسلما ، إذ لو أعتق واحدا منهما لم يعمل بهما ، وأما صاحب المحصول فسوى بين الأمر والنهي ورد عليه القرافي بمثل ما ذكره الآمدي ، وابن حاجب ، وأما الأصفهاني فتبع صاحب المحصول ، وقال حمل المطلق على المقيد لا يختص بالأمر والنهي ، بل يجري في جميع أقسام الكلام .

                        قال الزركشي : وقد يقال لا يتصور توارد المطلق والمقيد في جانب النفي والنهي ، وما ذكروه من المثال إنما هو من قبيل أفراد بعض مدلول العام ، وفيه ما تقدم من خلاف أبي ثور ، فلا وجه لذكره هاهنا انتهى .

                        والحق : عدم الحمل في النفي والنهي ، وممن اعتبر هذا الشرط ابن دقيق العيد ، وجعله أيضا شرطا في بناء العام على الخاص .

                        ( الشرط الرابع ) : أن لا يكون في جانب الإباحة . قال ابن دقيق العيد إن المطلق لا يحمل على المقيد في جانب الإباحة إذ لا تعارض بينهما وفي المطلق زيادة قال الزركشي وفيه نظر .

                        ( الشرط الخامس ) : أن لا يمكن الجمع بينهما إلا بالحمل ، فإن أمكن بغير إعمالهما [ ص: 483 ] فإنه أولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما ، ذكره ابن الرفعة في المطلب .

                        ( الشرط السادس ) : أن لا يكون المقيد ذكر معه قدر زائد يمكن أن يكون القيد لأجل ذلك القدر الزائد ، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا قطعا .

                        ( الشرط السابع ) : أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد ، فإن قام دليل على ذلك فلا تقييد .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية