الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 333 ] ثم دخلت سنة إحدى وستين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في عاشر المحرم منها عملت الروافض ببغداد البدعة التي تقررت من النوح على الحسين بن علي رضي الله عنه وقبحهم . وفي المحرم منها أغارت الروم على الجزيرة وديار بكر ، فقتلوا خلقا كثيرا من أهل الرها وساروا في البلاد كذلك يقتلون ويأسرون ويغنمون ، إلى أن وصلوا نصيبين وفعلوا كذلك ببلاد بكر ، ولم يغن عن أهل تلك النواحي أبو تغلب بن حمدان متوليها شيئا ، ولم يكن عنده دفاع ولا له قوة ، فعند ذلك ذهب أهل الجزيرة إلى بغداد يستنصرون ويستصرخون ، فرثى لهم أهل بغداد وأرادوا إدخالهم على الخليفة المطيع لله فلم يمكن ذلك ، وكان بختيار بن معز الدولة مشغولا بالصيد ، فذهبت الرسل وراءه ، فبعث الحاجب سبكتكين يستنفر الناس ، فتجهز خلق كثير من العامة ، وكتب إلى أبي تغلب أن يعد الميرة والإقامات ، فأظهر السرور بذلك والفرح والابتهاج ، ولما تجهزت العامة للغزاة ، وقعت بينهم فتنة شديدة ; بين الروافض والسنة ، فأحرقت السنة دور الروافض بالكرخ ، وقالوا : الشر كله منكم . وصارت العيارون ببغداد يأخذون أموال الناس ، وتناقض النقيب أبو أحمد [ ص: 334 ] الموسوي والوزير أبو الفضل الشيرازي ، وأرسل بختيار بن معز الدولة إلى الخليفة يطلب منه أموالا يستعين بها في هذه الغزوات ، فبعث إليه يقول : لو كان الخراج يجبى إلي لدفعت منه ما يحتاج المسلمون إليه ، ولكن أنت تصرف منه ما للمسلمين به ضرورة ، وأما أنا فليس عندي شيء أبعث به إليك ، فترددت البرد بينهما ، وأغلظ بختيار للخليفة في ذلك وتهدده ، فاحتاج الخليفة أن يحصل له شيئا ، فباع بعض ثياب بدنه وشيئا من أثاثه ، ونقض بعض سقوف داره ، وحصل أربعمائة ألف درهم ، فصرفها بختيار في مصالح نفسه ، وأبطل تلك الغزاة ، فتغمم الناس للخليفة ، وساءهم ما فعل ابن بويه من أخذه مال الخليفة وتركه الجهاد في سبيل الله ، فلا جزاه الله خيرا عن المسلمين ، ولا عن إمامهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تسلم أبو تغلب بن حمدان قلعة ماردين فنقل حواصلها وما فيها إلى الموصل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها اصطلح الأمير منصور بن نوح الساماني صاحب خراسان هو وركن الدولة بن بويه وابنه عضد الدولة ، على أن يحملا إليه في كل سنة مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار ، وتزوج بابنة ركن الدولة ، فحمل إليه من الهدايا والتحف ما لا يحد ولا يوصف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شوال منها خرج المعز الفاطمي بأهله وحاشيته وجنوده من مدينة [ ص: 335 ] المنصورة من بلاد المغرب قاصدا البلاد المصرية ، بعدما مهد له مولاه جوهر القائد أمرها ، وأطدها له وبنى له بها القصرين ، واستخلف المعز الفاطمي على بلاد المغرب ونواحيها وصقلية وأعمالها نوابا من حزبه وأنصاره من أهل تلك البلاد ، واستصحب معه شاعره محمد بن هانئ الأندلسي ، فتوفي في أثناء الطريق ، على ما سنذكره ، وكان قدوم المعز إلى القاهرة في رمضان من السنة الآتية ، على ما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حج بالناس الشريف أبو أحمد الموسوي النقيب على الطالبيين كلهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية