الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1044 [ ص: 142 ] ( 3 ) باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام

                                                                                                                        1001 - مالك ، عن يحيى بن [ ص: 143 ] سعيد ، عن بشير بن يسار ؟ أن أبا بردة بن نيار ذبح ضحيته ، [ ص: 144 ] قبل أن يذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى . فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أمره أن يعود بضحية أخرى .

                                                                                                                        قال أبو بردة : لا أجد إلا جذعا يا رسول الله . قال وإن لم تجد إلا جذعا فاذبح " .


                                                                                                                        [ ص: 145 ] 1002 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح ضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى . وأنه ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يعود بضحية أخرى .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        21326 - قال أبو عمر : أما حديث يحيى بن سعيد هذا عن عباد بن تميم فظاهره - في رواية مالك - الانقطاع .

                                                                                                                        21327 - وكذلك قال يحيى بن معين : هو مرسل .

                                                                                                                        21328 - ذكر ذلك عنه أحمد بن زهير ، وليس هو عندي كذلك ؟ لأن حماد بن سلمة روى عن يحيى بن سعيد ، عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح قبل أن يصلي ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد .

                                                                                                                        [ ص: 146 ] 21329 - ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد ، عن عباد بن تميم : أن عويمر بن أشقر أخبره أنه ذبح قبل الصلاة ، وذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يعيد أضحيته ، فرفع الدراوردي الإشكال في ذلك ، وبين في روايته أن الحديث متصل مسند .

                                                                                                                        21330 - وأما لفظ حديث مالك : ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى فلا خلاف بين العلماء أن من ذبح ضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى ، وبعد الصلاة ، فقد فعل ما لا يجب ، وأنه لا ضحية له ، وأن عليه إعادة ما أفسد من ضحيته تلك إذا ذبحها قبل وقتها .

                                                                                                                        21331 - وإنما اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة ، وقبل أن يذبح الإمام على ما تراه فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله .

                                                                                                                        21332 - وأما حديث يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار في أول هذا الباب .

                                                                                                                        21333 - ورواه رواة الموطأ ، وورد كما رواه يحيى ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، أن أبا بردة ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله [ ص: 147 ] - صلى الله عليه وسلم - . . الحديث .

                                                                                                                        21334 - كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح ، وذكر الحديث .

                                                                                                                        21335 - وقصة أبي بردة بن نيار ، في ذلك محفوظة من حديث البراء بن عازب ، رواها الشعبي عن البراء ، ورواها عن الشعبي جماعة منهم : منصور بن المعتمر ، وداود بن أبي هند ، ومطرف بن طريف ، وزبيد اليامي وعاصم الأحول وسيار ، كلهم يروونه عن الشعبي ، عن البراء .

                                                                                                                        21336 - ومن رواه عن الشعبي ، عن جابر ، فقد أخطأ .

                                                                                                                        21337 - وفي حديث البراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بردة بن نيار : تلك شاة لحم ، قال : فإن عندي عناقا جذعة خيرا من شاة لحم ، فهل تجزئ عني ؟ قال : نعم ، ولن تجزئ عن أحد بعدك .

                                                                                                                        21338 - وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده ، وطرقه في " التمهيد .

                                                                                                                        21339 - وفي حديث مالك في الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام ؟ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي ذبح قبله بالإعادة ، وقد أمر الله - عز وجل - عباده بالتأسي [ ص: 148 ] بنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وحذرهم عن مخالفته .

                                                                                                                        21340 - وقد أجمع العلماء على أن الأضحى مؤقت بوقت ، إلا أنهم اختلفوا في تعيين ذلك الوقت على ما نورده عنهم في بابه من هذا الكتاب . إن شاء الله .

                                                                                                                        21341 - وأجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة ؟ لقوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم .

                                                                                                                        21342 - وأما الذبح بعد الصلاة ، وقبل ذبح الإمام ، فموضع اختلف فيه العلماء ، واختلفت فيه الآثار أيضا .

                                                                                                                        21343 - فذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابه والأوزاعي إلى أنه لا يجوز لأحد أن يذبح أضحيته قبل أن يذبح الإمام .

                                                                                                                        21344 - وحجتهم حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار : أن رسول - الله صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بردة بن نيار أن يعود بضحية أخرى ، وكان ذبح قبل أن يذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        21345 - وروى ابن جريج ، عن أبي الزيير ، عن جابر : أن النبي - عليه السلام - صلى يوم النحر ، بالمدينة ، فتقدم رجال ، فنحروا ، وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر ، فأمر من كان نحر قبله أن يعيد بذبح آخر ، ولا ينحر حتى ينحر النبي [ ص: 149 ] عليه السلام .

                                                                                                                        21346 - وقال معمر ، عن الحسن في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ الحجرات : 1 ] في قوم ، ذبحوا قبل أن ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قبل أن يصلي ، فأمرهم أن يعيدوا .

                                                                                                                        21347 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والليث بن سعد : لا يجوز ذبح الأضحية قبل الصلاة ، ويجوز بعدها قبل أن يذبح الإمام ؟ لأن الإمام ، وغيره فيما يحل من الذبح ويحرم سواء ، فإذا أحل الإمام الذبح حل لغيره ، ولا معنى لانتظاره .

                                                                                                                        21348 - وحجتهم حديث الشعبي ، عن البراء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من نسك قبل الصلاة ، فإنما هي شاة لحم .

                                                                                                                        21349 - وقال داود بن أبي هند ، وعاصم ، عن الشعبي عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ذبح قبل الصلاة ، فليعد " .

                                                                                                                        [ ص: 150 ] 21350 - ومن حديث أنس ، وجندب البجلي ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                                                                                        [ ص: 151 ] 21351 - وذكر الطحاوي حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أمر من نحر قبله أن يعيد ضحيته ، وقال : لا حجة فيه ؟ لأنه قد خالفه حماد بن سلمة ؟ فرواه عن أبي الزبير ، عن جابر : أن رجلا ذبح أضحيته قبل أن يصلي ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يذبح أحد قبل الصلاة .

                                                                                                                        21352 - قال أبو عمر : معروف عند العلماء أن ابن جريج أثبت في أبي الزيير من حماد بن سلمة ، وأعلم به ، وليس في حديث حماد بن سلمة ، ولا في الأحاديث عن البراء ، ولا عن أنس ، ولا عن جندب إلا النهي عن الذبح قبل الصلاة .

                                                                                                                        21353 - وهذا موضع لا خلاف فيه ، ولا حجة لمن نزع به في أن الذبح [ ص: 152 ] بعد الصلاة ، وقبل ذبح الإمام جائز ، لأنه ليس في نهيه - عليه السلام - عن الذبح قبل الصلاة دليل على أن الذبح بعد الصلاة قبل الإمام جائز ، هذا لو لم يكن نص ، فكيف وهذا النص الثابت من حديث جابر ، ومرسل بشير بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من ذبح قبل أن يذبح بالإعادة .

                                                                                                                        21354 - حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثني الميمون بن حمزة ، قال : حدثني الطحاوي ، قال : حدثني المزني ، قال : حدثني الشافعي ، قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن البراء بن عازب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يوم النحر خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال لا يذبحن أحد قبل أن نصلي .

                                                                                                                        قال : فقام خالي ، فقال : يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه معدوم ، وإني ذبحت نسيكتي ، وأطعمت أهلي ، وجيراني ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : متى فعلت ؟ قال : قبل الصلاة ، قال : " فأعد ذبحا آخر " - فقال : عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم ، فقال : هي خير من نسيكتيك ، ولن تجزئ عن أحد بعدك
                                                                                                                        .

                                                                                                                        [ ص: 153 ] 21355 - قال عبد الوهاب : أظن أنها ماعز .

                                                                                                                        21356 - قال الشافعي : هي ما نحروا ، إنما يقال للضأنية : رخل .

                                                                                                                        21357 - قال الشافعي : وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : خير نسيكتيك ، وإن كانت الواحدة هي النسك ، والأول شاة لحم ؟ لأنه ذبحها يتولى بها النسك ، فلم تجز عنه الأولى ، وإن كانت أراد بها النسك ، وجزت عليه الآخرة ؟ لأنه ذبحها في وقت النسك ، فكانت خيرها ; لأنها جزت .

                                                                                                                        21358 - قال : وقوله : ولن تجزئ عن أحد بعدك - يعني العناق - وكانت له خاصة ، ولا تجزئ الجذع لغيره إلا من الضأن خاصة دون سائر الأنعام .

                                                                                                                        21359 - قال أبو عمر : لا خلاف علمته بين العلماء أن الجذع من المعز لا [ ص: 154 ] يجزئ هدية ، ولا ضحية ، والذي يجزئ في الضحية ، والهدي : الجذع من الضأن ، فما فوقه ، والثني مما سواه ، فما فوقه من الأزواج الثمانية .

                                                                                                                        21360 - والجذع من الضأن ابن سبعة أشهر ، قيل : إذا دخل فيها ، وقيل : إذا أكملها .

                                                                                                                        21361 - وعلامته أن يرقد صوف ظهره قبل قيامه . فإذا كان ذلك : قالت الأعراب : فذا جذع .

                                                                                                                        21362 - وثني المعز إذا تمت له سنة ، ودخل في الثانية .

                                                                                                                        21363 - وثني البقر إذا أكمل له سنتان ، ودخل في الثالثة .

                                                                                                                        21364 - والثني من الإبل إنما كمل له خمس سنين ، ودخل في السادسة .

                                                                                                                        21365 - قال أبو عمر : أجمعوا أن من ذبح قبل الصلاة ، وكان ساكنا بمصر من الأمصار أنه لا يجزئه ذبحه كذلك .

                                                                                                                        21366 - واختلفوا في وقت ذبح أهل البادية للضحية .

                                                                                                                        21367 - فقال مالك : يذبح أهل البادية إذا نحر أقرب أئمة أهل القرى إليهم ، فينحرون بعده ، فإن لم يفعلوا ، وأخطئوا ونحروا أجزأهم .

                                                                                                                        [ ص: 155 ] 21368 - وقال الشافعي : وقت الذبح وقت صلاة النبي - عليه السلام - من حين حلت الصلاة ، وقدر خطتين .

                                                                                                                        21369 - وأما صلاة من بعده ، فليس فيها وقت .

                                                                                                                        21370 - وبه قال أحمد بن حنبل ، والطبري .

                                                                                                                        21371 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : من ذبح من أهل السواد قبل طلوع الفجر أجزأه لأنه ليس عليهم صلاة العيد .

                                                                                                                        21372 - وهو قول الثوري ، وإسحاق بن راهويه . 21373 - وقال عطاء : يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس . 21374 - وأما قوله في حديث مالك : فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعود بضحية أخرى ، فقد احتج به من رأى أن الضحية واجبة فرضا .

                                                                                                                        21375 - قالوا : لأن ما لم يكن واجبا لم يؤمر فيه بإعادة .

                                                                                                                        21376 - وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا .

                                                                                                                        21377 - فقال مالك : على الناس كلهم ضحية : المسافر ، والمقيم إذا قدر عليها ، ومن تركها من غير عذر ، فبئس ما صنع .

                                                                                                                        [ ص: 156 ] 21378 - قال أبو عمر : تحصيل مذهبه أنها من السنن التي يؤمر الناس بها ، ويندبون إليها ، ولا يرخص في تركها إلا للحاج بمنى ، ويضحى عنده عن اليتيم والمولود ، وكل واحد لها .

                                                                                                                        21379 - وقال الشافعي : هي سنة وتطوع ، ولا تجب لأحد قوي عليها تركها ، وليست بواجبة ; لأن " رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي . . . الحديث .

                                                                                                                        21380 - وقال الشافعي : هي سنة على جميع المسلمين ، وعلى الحاج بمنى ، وغيرهم .

                                                                                                                        21381 - وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                        21382 - وقال الثوري : ليست الضحية بواجبة ، وكان ربيعة ، والليث بن [ ص: 157 ] سعد يقولان : لا نرى أن يترك المسلم الموسر المالك لأمره الضحية .

                                                                                                                        21383 - روي عن سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وعلقمة ، والأسود أنهم كانوا لا يوجبونها .

                                                                                                                        21384 - وهو قول أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        21385 - وروي عن الشعبي : الصدقة أفضل من الأضحية .

                                                                                                                        21386 - وروي ذلك عن مالك .

                                                                                                                        21387 - وهذا تحصيل مذهبه .

                                                                                                                        21388 - وقال أبو ثور : الضحية أفضل من الصدقة ; لأن الضحية سنة وكيدة لصلاة العيد .

                                                                                                                        21389 - ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من النوافل .

                                                                                                                        21390 - وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع .

                                                                                                                        21391 - قال أبو عمر : في فضل الضحية آثار ، وقد ذكرتها في التمهيد .

                                                                                                                        [ ص: 158 ] 21392 - وقال أبو حنيفة : الضحية واجبة .

                                                                                                                        21393 - وقال أبو يوسف : ليست بواجبة .

                                                                                                                        21394 - وقال محمد بن الحسن : الأضحى واجب على كل مقيم في الأمصار إذا كان موسرا .

                                                                                                                        21395 - هكذا ذكره الطحاوي عنهم في كتاب " الخلاف " .

                                                                                                                        21396 - وذكر عنهم في " مختصره " ، قال : قال أبو حنيفة : والأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار وغيرهم ، ولا تجب على المسافرين .

                                                                                                                        21397 - وقال : يجب على الرجل من الأضحية عن ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه .

                                                                                                                        21398 - قال : وخالفه أبو يوسف ، ومحمد ، فقالا : ليست الأضحية بواجبة ، ولكنها سنة غير مرخص فيها لمن وجد السبيل إليها .

                                                                                                                        21399 - قال : وبه نأخذ .

                                                                                                                        21400 - وقال إبراهيم النخعي : الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا [ ص: 159 ] الحاج .

                                                                                                                        21401 - قال أبو عمر : حجة من ذهب إلى إيجابها : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بردة بن نيار بأن يعيد ضحيته إذ ذبحها قبل الصلاة .

                                                                                                                        21402 - وقوله : في العناق لا يجزئ عن أحد بعدك ، ومثل هذا إنما يقال في الفرائض الواجبة لا في التطوع .

                                                                                                                        21403 - وقال الطحاوي : فإن قيل : فإنه أوجبها ، ثم أتلفها ، فمن هناك أوجب عليه إعادتها ؟ لأنها واجبة في الأصل .

                                                                                                                        21404 - قيل له : لو أراد هذا - صلى الله عليه وسلم - لتعرف قيمة المتلفة ليأمره بمثلها ، فلما لم يعتبر ذلك دل على أنه لم يقصد إلى ما ذكرت ، وبما احتج ومما لم يأمره بمثلها ، فلما لم يغير ذلك دل على أنه لم يقصد على ما ذكرت .

                                                                                                                        21405 - ومما احتج به أيضا من أوجبها حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        21406 - ومنهم من يجعله من قول أبي هريرة على ما بينا في كتاب " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 160 ] 21407 - قال : من كان له سعة ، ولم يضح ، فلا يشهد مصلانا .

                                                                                                                        21408 - قال أبو عمر : ليس في اللفظ تصريح بإيجابها لو كان مرفوعا ، فكيف ، والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة .

                                                                                                                        21409 - وقد عارضه حديث أم سلمة عن النبي - عليه السلام - أنه قال : إذا دخل العشر ، وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ، ولا من أظفاره ، ولا شيء يقال في الواجب من أراد فعله .

                                                                                                                        21410 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني أحمد بن زهير ، قال : حدثني يحيى بن أيوب ، قال : حدثني عبيد الله بن معاذ ، قال : حدثني معاذ بن معاذ العنبري ، قال : حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثني عمر بن مسلم بن عمار بن أكيمة الليثي ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : سمعت أم سلمة تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كان له ذبح يذبحه ، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ، ولا من أظفاره شيئا .

                                                                                                                        21411 - قال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : محمد [ ص: 161 ] بن عمرو ثقة .

                                                                                                                        21412 - قال : وفي كتاب علي بن المديني ، قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : محمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح .

                                                                                                                        21413 - وقد كان سعيد بن المسيب يفتي بأنه لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة .

                                                                                                                        21414 - وهذا منه ترك للعمل من حديثه عن أم سلمة ، عن النبي - عليه [ ص: 162 ] السلام - في ذلك ، إلا أنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك من لم يرد أن يضحي .

                                                                                                                        21415 - حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني معن بن عيسى ، قال : حدثني مالك ، عن عمارة بن صياد ، عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالإطلاء في العشر .

                                                                                                                        21416 - وقد روى مالك حديث أم سلمة عن عمرو بن مسلم بن أكيمة ، كما رواه محمد بن عمرو بإسناده عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        21417 - وحدث به شعبة ، ثم تركه ، وأبى أن يحدث به .

                                                                                                                        21418 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا في " التمهيد " .

                                                                                                                        21419 - ومما يدل على أن سعيد بن المسيب كان يقول بحديثه هذا عن أم سلمة ، عن النبي - عليه السلام - ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني وكيع ، عن شعبة ، وهشام ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عليك .

                                                                                                                        21420 - وهذا أخذ منه بحديثه عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي . . . الحديث .

                                                                                                                        [ ص: 163 ] 21421 - ويدل على أن حديث مالك ، عن عمارة بن صياد ، عن سعيد بن المسيب ، لم يفت به إلا من لم يرد أن يضحي ، والله أعلم .

                                                                                                                        21422 - وقد روى الشعبي ، عن أبي سريحة الغفاري ، واسمه : حذيفة بن أسيد قال : رأيت أبا بكر ، وعمر ، وما يضحيان .

                                                                                                                        21423 - وقال عكرمة : بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحما ، وقال : من لقيت ، فقل : هذه أضحية ابن عباس .

                                                                                                                        21424 - وهذا نحو فعل بلال فيما نقل عنه أنه ضحى بديك .

                                                                                                                        21425 - ومعلوم أن ابن عباس إنما قصد بقوله : أن الضحية ليست بواجبة ، وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى إعلاما منه بأن الضحية غير واجبة ، ولا لازمة .

                                                                                                                        21426 - وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح . وبالله التوفيق . 21427 - وقال أبو مسعود الأنصاري : إني لأدع الأضحى ، وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنها حتم علي .

                                                                                                                        21428 - قال أبو عمر : ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طول عمره ، ولم يأت عنه [ ص: 164 ] أنه ترك الأضحى ، وندب إليها ، فلا ينبغي لمؤمن موسر تركها ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        21429 - حدثني خلف بن قاسم ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام ، قال : حدثني كثير بن معمر الجوهري ، قال : حدثني محمد بن علي بن داود البغدادي ، قال : حدثني سعيد بن داود بن أبي زبير ، قال : حدثني مالك ، عن ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : [ ص: 165 ] " ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدماء .

                                                                                                                        21430 - وروي نحو ذلك بمعناه عن ابن عمر ، مرفوعا عن طاوس ، قال : ما أنفق الناس من نفقة أعظم أجرا من دم مهراق ، يوم النحر .

                                                                                                                        21431 - وروي أن للمضحي بكل شعرة من صوفها حسنة .

                                                                                                                        21432 - وروي من حديث عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فضيلة قد ذكرتها في " التمهيد " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية