الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثالثة والعشرون قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : روى أبو هريرة في الصحيح الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن موسى كان رجلا ستيرا حييا ما يرى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، وقالوا : ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما أدرة ، وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإن موسى خلا يوما وحده ، وخلع ثيابه ، ووضعها على حجر ، ثم اغتسل . فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه ، فطلب الحجر ; فجعل يقول : ثوبي ، حجر ; ثوبي ، حجر ، حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن الناس خلقا ، وأبرأهم مما كانوا يقولون له . [ ص: 627 ] قال : وقام إلى الحجر ، وأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق موسى بالحجر ضربا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر عصاه ثلاثا أو أربعا أو خمسا ; فذلك قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى } . فهذه إذاية في بدنه } .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى ابن عباس عن علي بن أبي طالب في المنثور : أن موسى وهارون صعدا الجبل فمات هارون ، فقال بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته ، وكان ألين لنا منك ، وأشد حبا ; فآذوه في ذلك ، فأمر الملائكة فحملته ، فمروا به على مجالس بني إسرائيل ، فتكلمت الملائكة بموته ، فما عرف موضع قبره إلا الرخم ، وإن الله خلقه أصم أبكم ، وهذه إذاية في العرض .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : في هذا النهي عن التشبه ببني إسرائيل في إذاية نبيهم موسى :

                                                                                                                                                                                                              وفيه تحقيق الوعد بقوله : { لتركبن سنن من كان قبلكم } .

                                                                                                                                                                                                              وهي : المسألة الثالثة : فوقع النهي ، تكليفا للخلق ، وتعظيما لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم ووقع المنهي عنه تحقيقا للمعجزة ، وتصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذا لحكم القضاء والقدر ، وردا على المبتدعة .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا معاني الحديث في كتاب مختصر النيرين .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية