الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية العاشرة قوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } .

                                                                                                                                                                                                              فيها مسألتان : [ ص: 28 ] المسألة الأولى : جاء في كتاب التفسير أن إبليس حاول آدم على أكلها ، فلم يقدر عليه ، وحاول حواء ، فخدعها فأكلت فلم يصبها مكروه ، فجاءت آدم فقالت له : إن الذي تكره من الأكل قد أتيته فما نالني مكروه .

                                                                                                                                                                                                              فلما عاين ذلك آدم اغتر فأكل ، فحلت بهما النقمة والعقوبة ، وذلك لقول الله سبحانه : { ولا تقربا هذه الشجرة } فجمعهما في النهي ، فلذلك لم تنزل بهما العقوبة حتى وجد المنهي عنه منهما جميعا .

                                                                                                                                                                                                              واستدل بهذا بعض العلماء على أن من قال لزوجتيه أو أمتيه : إن دخلتما علي الدار فأنتما طالقتان أو حرتان أن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما .

                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف علماؤنا رحمة الله عليهم في ذلك على ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              فقال ابن القاسم : لا تطلقان ولا تعتقان إلا باجتماعهما في الدار في الدخول ، حملا على هذا الأصل ، وأخذا بمقتضى مطلق اللفظ .

                                                                                                                                                                                                              وقال مرة أخرى : تعتقان جميعا ، وتطلقان جميعا بوجود الدخول من إحداهما ; لأن بعض الحنث حنث ، كما لو حلف ألا يأكل هذين الرغيفين ، فإنه يحنث بأكل أحدهما ، بل بأكل لقمة منهما حسبما بيناه في أصول المسائل .

                                                                                                                                                                                                              وقال أشهب : تعتق وتطلق التي دخلت وحدها ; لأن دخول كل واحدة منهما شرط في طلاقها أو عتقها .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال مالك في كتاب محمد بن المواز فيمن قال لزوجته : إن وضعت فأنت طالق [ ص: 29 ] وهي حامل ، فوضعت ولدا ، وبقي في بطنها آخر : إنها لا تطلق حتى تضع الآخر .

                                                                                                                                                                                                              وقال مرة أخرى : تطلق بوضع الأول .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح أن اليمين إن لم يكن لها نية وبساط يقتضي ذلك من الجمع بينهما أو بساط أو نية ، فإن القول قول أشهب ، ويشبه أن يكون هذا من علمائنا اختلاف حال لا اختلاف قول ; فأما الحكم بطلاقهما أو عتقهما معا بدخول واحدة منهما فبعيد ; لأن بعض الشرط لا يكون شرطا إجماعا ، وأما [ الحكم ] بالحنث بأكل بعض الرغيفين ; فلأنه محلوف عليه ، وبعض الحنث حنث حقيقة ; لأن الاجتناب الذي عقده لا يوجد منه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية