الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2221 - مسألة : من أحل لآخر فرج أمته ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : سواء كانت امرأة أحلت أمتها لزوجها ، أو ذي رحم محرم أحل أمته لذي رحمه ، أو أجنبي فعل ذلك : فقد ذكرنا قول سفيان في ذلك وهو ظاهر الخطأ جدا ، لأنه جعل الولد مملوكا لمالك أمه ، وأصاب في هذا ، ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه - وهذا خطأ فاحش - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الولد للفراش وللعاهر الحجر } .

                                                                                                                                                                                          وبين عز وجل ما هو الفراش وما هو العهر ؟ فقال تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون } إلى قوله تعالى : { هم العادون } .

                                                                                                                                                                                          فهذه التي أحل مالكها فرجها لغيره ليست زوجة له ، ولا ملك يمين للذي أحلت له - وهذا خطأ ، لأن الله تعالى يقول { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .

                                                                                                                                                                                          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

                                                                                                                                                                                          وقد علمنا أن الذي أحل الفرج لم يهب الرقبة ولا طابت نفسه بإخراجها عن ملكه ، ولا رضي بذلك قط ، فإن كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج وحده حلالا ؟ [ ص: 206 ] فلا يلزمه سواه ، ولا ينفذ عليه غير ما رضي به فقط ، وإن كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج حراما ، فإنه لا يلزمه ، والحرام مردود ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فلا ينفذ عليه هبة الفرج .

                                                                                                                                                                                          وأما الرقبة فلم يرض قط بإخراجها عن ملكه ، فلا يحل أخذها له بغير طيب نفسه ، إلا بنص يوجب ذلك أو إجماع ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فإذا الأمر كما ذكرنا فالولد غير لاحق ، والحد واجب ، إلا أن يكون جاهلا بتحريم ما فعل - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          2222 - مسألة : من أحل فرج أمته لغيره ؟

                                                                                                                                                                                          نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاوسا يقول : قال ابن عباس : إذا أحلت امرأة الرجل ، أو ابنته ، أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها ، فليجعل به بين وركيها ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى به بأسا ، وقال : هو حلال فإن ولدت فولدها حر ، والأمة لامرأته ، ولا يغرم الزوج شيئا .

                                                                                                                                                                                          قال ابن جريج : وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاوس أنه قال : هو أحل من الطعام ، فإن ولدت فولدها الذي أحلت له ، وهي لسيدها الأول .

                                                                                                                                                                                          قال ابن جريج : وأخبرني عطاء بن أبي رباح قال : كان يفعل ، يحل الرجل وليدته لغلامه ، وابنه ، وأخيه - وتحلها المرأة لزوجها .

                                                                                                                                                                                          قال عطاء : وما أحب أن يفعل ، وما بلغني عن ثبت ، قال : وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فهذا قول - وبه يقول سفيان الثوري ، [ ص: 207 ] وقال مالك ، وأصحابه : لا حد في ذلك أصلا .

                                                                                                                                                                                          ثم اختلف قوله في الحكم في ذلك : فمرة قال : هي لمالكها المبيح ما لم تحمل ، فإن حملت قومت على الذي أبيحت له .

                                                                                                                                                                                          ومرة قال : تقام بأول وطئه على الذي أبيحت له حملت أو لم تحمل .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : إذا أحلت فقد صار ملكها للذي أحلت له بكليتها : كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن مجاهد ، وعمرو بن عبيد ، قال ابن مجاهد عن أبيه : وقال عمرو عن الحسن ، ثم اتفقا : إذا أحلت الأمة لإنسان فعتقها له ، ويلحق به الولد .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن قيس : أن الوليد بن هشام أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : امرأتي أحلت جاريتها لأبيها ، قال : فهي له - فهذا قول ثان .

                                                                                                                                                                                          وذهب آخرون إلى غير هذا : كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يحل الجارية للرجل ؟ فقال : إن وطئها جلد مائة - أحصن أو لم يحصن ولا يلحق به الولد ، ولا يرثه ، وله أن يفتديه - ليس لهم أن يمنعوه .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون : بتحريم ذلك جملة : كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن المسيب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إن أمي كانت لها جارية ، وإنها أحلتها لي أن أطأها عليها ؟ قال : لا تحل لك إلا من إحدى ثلاث : إما أن تتزوجها وإما أن تشتريها ، وإما أن تهبها لك " .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 208 ] وبه - إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن عمر قال : لا يحل لك أن تطأ إلا فرجا لك إن شئت بعت ، وإن شئت وهبت ، وإن شئت أعتقت .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : لا تعار الفروج ؟ قال أبو محمد رحمه الله : أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاوس في غاية الصحة ، ولكنا لا نقول به ، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } الآية إلى قوله { هم العادون } فقول الله أحق أن يتبع .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك فظاهر الخطأ ، وما نعلم أحدا قال به قبله - ويبطل قوله في التقويم بما يبطل به قول من رأى أن الملك ينتقل بالإباحة ، إلا أن قول مالك : زاد إيجاب القيمة في ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما قول عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، ومجاهد قد تقدم إبطالنا إياه بأنه لا يحل أن يلزم المرء في ماله ما لم يلتزمه ، إلا أن يلزمه ذلك نص أو إجماع ، فمن أباح الفرج وحده فلم يبح الرقبة ، فلا يحل إخراج ملك الرقبة عن يده بالباطل - وليس إلا أحد وجهين لا ثالث لهما : إما جواز هبته فهو قول ابن عباس ، وإما إبطاله فهو قول ابن عمر فالرقبة في كلا الوجهين باقية على ملك مالكها ، لا يحل سوى ذلك أصلا .

                                                                                                                                                                                          وأما قول الزهري فخطأ أيضا لا يخلو وطء الفرج الذي أحل له من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن يكون زانيا فعليه حد الزنى من الرجم والجلد أو الجلد والتغريب - أو يكون غير زان فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                          وأما الاقتصار على مائة جلدة فلا وجه له ، ولا يلحق الولد هاهنا أصلا - جاهلا كان أو عالما - لأنها ليست فراشا أصلا ، ولا له فيها عقد ، ولا مهر عليه أيضا ، لأن ماله حرام ، إلا بنص أو إجماع ، ولم يوجب عليه المهر هاهنا نص ولا إجماع - وعلى [ ص: 209 ] المحلل التعزير إن كان عالما فإن كانوا جهالا ، أو أحدهم فلا شيء على الجاهل أصلا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية