الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 657 ] ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في تاريخ ظهير الدين الكازروني : ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في هذه السنة ، نظير ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها ، إلا أن هذه النار كان يعلو لهيبها كثيرا ، وكانت تحرق الصخر ، ولا تحرق السعف ، واستمرت ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة والدولة المذكورون هم الذين كانوا في التي قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الآخرة قدم الأشرف دمشق ، فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر ، وجهز الجيوش ، وتهيأ لغزو بلاد سيس ، وقدم في غبون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح ، فشفع الأمراء فيهم ، فسلموا بهسنا وتل حمدون ومرعش ، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها ، وهي في فم الدربند .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ركب السلطان في ثاني رجب نحو سلمية بأكثر الجيش ، صورة أنه يريد أن يصيب الأمير حسام الدين لاجين ، فأضافه الأمير مهنا بن عيسى ، فلما [ ص: 658 ] انقضت الضيافة أمسك له حسام الدين لاجين ، وكان عنده ، فجاءه به ، فسجنه في قلعة دمشق وأمسك مهنا بن عيسى ، وولى مكانه محمد بن علي بن حذيفة ، ثم أرسل السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى الديار المصرية صحبة نائبه بيدرا ، ووزيره ابن السلعوس ، وتأخر هو في خاصكيته ، ثم لحقهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المحرم منها حكم القاضي حسام الدين الرازي الحنفي بالتشريك بين العلويين والجعفرين في الدباغة التي كانوا يتنازعونها من مدة مائتي سنة ، وكان ذلك يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم بدار العدل ، ولم يوافقه ابن الخويي ولا غيره ، وحكم للأعناكيين بصحة نسبهم إلى جعفر الطيار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها رسم الأشرف بتخريب قلعة الشوبك فهدمت ، وكانت من أحصن القلاع وأمنعها وأنفعها ، وإنما خربها عن رأي عتبة العقبي ، ولم ينصح للسلطان فيها ولا للمسلمين; لأنها كانت شجا في حلوق الأعراب الذين هناك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أرسل السلطان الأمير علم الدين الدواداري إلى صاحب القسطنطينية وإلى أولاد بركة ، ومع الرسول تحف كثيرة جدا ، فلم يتفق خروجه حتى قتل السلطان ، فعاد إلى دمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عاشر جمادى الأولى درس القاضي إمام الدين القزويني بالظاهرية البرانية ، وحضر عنده القضاة والأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 659 ] وفي الثاني والعشرين من ذي الحجة يوم الاثنين طهر الملك الأشرف أخاه الملك الناصر محمدا وابن أخيه الملك المعظم مظفر الدين موسى بن الصالح علي بن المنصور ، وعمل مهم عظيم ، ولعب الأشرف بالقبق ، وتمت لهم فرحة هائلة ، كانت كالوداع لسلطنته من الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أول المحرم درس الشيخ شمس الدين بن غانم بالعصرونية ، وفي مستهل صفر درس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بالرواحية عوضا عن نجم الدين بن مكي; بحكم انتقاله إلى حلب وإعراضه عن المدرسة المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل الركب الشامي في خامس صفر ، وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله ، وكان أميرهم الباسطي ، ونالهم في معان ريح شديدة جدا مات بسببها جماعة ، وحملت الريح جمالا عن أماكنها ، وطارت العمائم عن الرءوس ، واشتغل كل أحد بنفسه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفر منها وقع بدمشق برد عظيم أفسد شيئا كثيرا من المغلات ، بحيث أبيع القمح كل عشر أواق بدرهم ، ومات شيء كثير من الدواب ، وفيه زلزلت ناحية الكرك ، وسقط من قلعتها أماكن كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية