الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 310 ] ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت والخليفة والحكام هم المباشرون في التي قبلها ، غير أن قطب الدين ابن شيخ السلامية اشتغل بنظر الجيش .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المحرم طلب القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب سر دمشق ، وولده الصدر شهاب الدين ، وشرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود - إلى مصر على البريد ، فباشر القاضي الصدر الكبير محيي الدين المذكور كتابة السر بها عوضا عن علاء الدين بن الأثير; لمرض اعتراه ، وأقام عنده ولده شهاب الدين ، وأقبل شرف الدين بن الشهاب محمود إلى دمشق على كتابة السر عوضا عن ابن فضل الله . وفيه ذهب ناصر الدين مشد الأوقاف ناظرا على القدس والخليل ، فعمر هناك عمارات كثيرة لملك الأمراء تنكز ، وفتح في الأقصى شباكين عن يمين المحراب وشماله ، وجاء الأمير نجم الدين داود بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن يوسف بن الزيبق من شد الدواوين بحمص إلى شدها بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس السادس والعشرين من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي [ ص: 311 ] من جامع دمشق ، وبسط الجامع جميعه ، وصلى الناس الجمعة به من الغد ، وفتح باب الزيادة ، وكان له أياما مغلقا ، وذلك في مباشرة الصدر تقي الدين بن مراجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر قدم من مصر أولاد الأمير شمس الدين قراسنقر إلى دمشق ، فسكنوا في دار أبيهم داخل باب الفراديس في دهليز المقدمية ، وأعيدت عليهم أملاكهم المخلفة عن أبيهم ، وكانت تحت الحوطة ، فلما مات في تلك البلاد أفرج عنها أو أكثرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر أنزل الأمير جوبان وولده من قلعة المدينة النبوية ، وهما ميتان مصبران في توابيتهما ، فصلي عليهما بالمسجد النبوي ، ثم دفنا بالبقيع عن مرسوم السلطان ، وكان مراد جوبان أن يدفن في مدرسته ، فلم يمكن من ذلك . وفي هذا اليوم صلي بالمدينة النبوية على الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، رحمه الله ، وعلى القاضي نجم الدين البالسي المصري - صلاة الغائب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين منتصف جمادى الآخرة درس القاضي شهاب الدين أحمد بن جهبل بالمدرسة البادرائية ، عوضا عن شيخنا برهان الدين الفزاري ، توفي إلى رحمة الله تعالى ، وأخذ مشيخة دار الحديث منه حين ولي البادرائية - الحافظ شمس الدين الذهبي ، وحضرها في يوم الأربعاء سابع عشره ، ونزل عن خطابة كفر بطنى للشيخ جمال الدين المسلاتي المالكي ، فخطب بها يوم الجمعة تاسع عشره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 312 ] وفي أواخر هذا الشهر قدم نائب حلب الأمير سيف الدين أرغون إلى دمشق قاصدا باب السلطان ، فتلقاه نائب دمشق ، وأنزله بداره التي عند جامعه ، ثم سار نحو مصر ، فغاب نحوا من أربعين يوما ، ثم عاد راجعا إلى نيابة حلب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عاشر رجب طلب الصاحب تقي الدين بن عمر ابن الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر ، فولي نظر الدواوين بها حتى مات عن قريب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الركب يوم السبت تاسع شوال ، وأميره سيف الدين بلطي ، وقاضيه شهاب الدين القيمري ، وفي الحجاج زوجة ملك الأمراء تنكز ، وفي خدمتها الطواشي شبل الدولة كافور ، وصدر الدين المالكي ، وصلاح الدين ابن أخي الصاحب تقي الدين توبة ، وأخوه شرف الدين ، والشيخ علي المغربي ، والشيخ عبد الله الضرير ، وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي بكرة الأربعاء ثالث عشر شوال جلس القاضي ضياء الدين علي بن سليم بن ربيعة للحكم بالعادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة القونوي ، وعوضا عن الفخر المصري; بحكم نزوله عن ذلك وإعراضه عنه تاسع عشر رمضان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 313 ] وفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة بعد أذان الجمعة صعد إلى منبر جامع الحاكم بمصر شخص من مماليك الجاولي يقال له : أرضى ، فادعى أنه المهدي ، وسجع سجعات يسيرة على رأي الكهان ، فأنزل في شر خيبة ، وذلك قبل حضور الخطيب بالجامع المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي القعدة وما قبله وما بعده من أواخر هذه السنة وأوائل الأخرى وسعت الطرقات والأسواق داخل دمشق وخارجها ، مثل سوق السلاح والرصيف ، والسوق الكبير ، وباب البريد ، ومسجد القصب إلى الزنجيلية ، وخارج باب الجابية إلى مسجد الذبان ، وغير ذلك من الأماكن التي كانت تضيق عن سلوك الناس ، وذلك بأمر تنكز ، وأمر بإصلاح القنوات ، واستراح الناس من ترشيش الماء عليهم بالنجاسات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم في العشر الأخير من ذي الحجة رسم بقتل الكلاب ، فقتل منهم شيء كثير جدا ، ثم جمعوا خارج باب الصغير مما يلي باب كيسان في الخندق ، وفرق بين الذكور منهم والإناث; ليموتوا سريعا ولا يتوالدوا ، وكانت الجيف والميتات تنقل إليهم ، فاستراح الناس من النجاسة من الماء والكلاب ، وتوسعت لهم الطرقات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة حضر مشيخة الشيوخ بالسميساطية قاضي القضاة شرف الدين المالكي بعد وفاة قاضي القضاة الشافعي القونوي ، وقرئ تقليده بالمشيخة بها ، وحضره الأعيان ، وأعيد إلى ما كان عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية