الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب اللقيط )

                                                                                                                                الكلام في اللقيط في مواضع في تفسير اللقيط لغة وعرفا ، وفي بيان حاله ، وفي بيان ما يتعلق به من الأحكام .

                                                                                                                                أما في اللغة : فهو فعيل من اللقط وهو اللقاء بمعنى المفعول ، وهو الملقوط وهو الملقى أو الأخذ والرفع بمعنى الملقوط وهو المأخوذ والمرفوع عادة لما أنه يؤخذ فيرفع وأما في العرف فنقول هو اسم للطفل المفقود وهو الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع عادة فكان تسميته لقيطا باسم العاقبة ; لأنه يلقط عادة أي : يؤخذ ويرفع وتسمية الشيء باسم عاقبته أمر شائع في اللغة قال الله تعالى جل شأنه { إني أراني أعصر خمرا } وقال الله تعالى جل شأنه { إنك ميت وإنهم ميتون } سمى العنب خمرا والحي الذي يحتمل الموت ميتا باسم العاقبة كذا هذا .

                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان حاله فله أحوال ثلاث لا بد من التعرف عنها حاله في الحرية والرق ، وحاله في النسب .

                                                                                                                                أما حاله في الحرية والرق : فهو أنه حر من حيث الظاهر ، كذا روي عن سيدنا عمر وسيدنا علي أنهما حكما بكون اللقيط حرا ; ولأن الأصل هو الحرية في بني آدم ; لأن الناس كلهم أولاد سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وحواء وهما كانا [ ص: 198 ] حرين والمتولد من الحرين يكون حرا وإنما حدث الرق في البعض شرعا بعارض الاستيلاء بسبب عارض وهو الكفر الباعث على الحراب فيجب العمل بالأصل حتى يقوم الدليل على العارض فرتب عليه أحكام الأحرار من أهلية الشهادة والإعتاق والتدبير والكتابة واستحقاق الحد على قاذفه وغير ذلك من الأحكام المختصة بالأحرار إلا أنه لا يحد قاذف أمة ، لأن إحصان المقذوف شرط انعقاد علة توجب على القاذف ولم يعرف إحصانها لانعقاد القذف عليه لوجوب الحد على القاذف ولو ادعى الملتقط أو غيره أنه عبده لا يسمع منه إلا ببينة ; لأن حريته ثابتة من حيث الظاهر فلا يقدر على إبطال هذا الظاهر إلا بدليل .

                                                                                                                                ولو بلغ فأقر أنه عبد فلان نظر في ذلك إن كان لم يجر عليه شيء من أحكام الأحرار بعد من قبول شهادته وضرب قاذفه الحد ونحوه صح إقراره ; لأنه لم تعرف حريته إلا بظاهر الحال فإذا أقر بالرق فالظاهر أنه لا يقر على نفسه بالرق كاذبا فصح إقراره إلا أنه لا يعتبر في إبطال ما يفعله من التصرفات من الهبة والكفالة والإعتاق والنكاح ونحوها من التصرفات التي لا يملكها العبد حتى لا تنفسخ ، وهذا عندنا وقال الشافعي - رحمه الله - في أحد قوليه : ينفسخ .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أنه لما أقر بالرق فقد ظهر أنه كان رقيقا وقت التصرف فلم يصح تصرفه كما إذا قامت البينة على رقه ، ولنا أن هذا إقرار تضمن إبطال حق الغير ; لأن حريته ثابتة من حيث الظاهر فلا يصدق في حق ذلك الغير لما عرف أن الإقرار تصرف على نفس المقر فإذا تضمن إبطال حقه حق الغير كان دعوى أو شهادة على غيره من ذلك الوجه فيصدق على نفسه لا على غيره ، كمن أقر بحرية عبد إنسان ثم اشتراه عتق عليه ولا يرجع بالثمن على البائع لما قلنا كذا هذا .

                                                                                                                                والاستدلال بالبينة غير سديد ; لأن الشاهد غير متهم في شهادته على غيره ، فأما المقر في إقراره على غيره فمتهم فهو الفرق ، وإن كان قد أجري عليه شيء من ذلك لا يصح إقراره ; لأنه إذا أجري عليه شيء من أحكام الأحرار فقد ظهرت حريته عند الناس كافة فظهر أنه حر الأصل فلا يملك إبطالها بالإقرار بالرق وأما حاله في الإسلام والكفر فإن وجده مسلم في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم يكون مسلما حتى لو مات يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، وإن وجده ذمي في بيعة أو كنيسة أو في قرية ليس فيها مسلم يكون ذميا تحكيما للظاهر كما إذا وجده مسلم في بيعة أو كنيسة أو في قرية من قرى أهل الذمة يكون ذميا .

                                                                                                                                ولو وجده ذمي في مصر من أمصار المسلمين أوفي قرية من قراهم يكون مسلما كذا ذكر في كتاب اللقيط من الأصل واعتبر المكان .

                                                                                                                                وروى ابن سماعة عن محمد أنه اعتبر حال الواجد من كونه مسلما أو ذميا ، وفي كتاب الدعوى اعتبر الإسلام إلى أيهما نسب إلى الواجد أو إلى المكان ، والصحيح رواية هذا الكتاب ; لأن الموجود في مكان هو في أيدي أهل الإسلام وتصرفهم في أيديهم ، واللقيط الذي هو في يد المسلم وتصرفه يكون مسلما ظاهرا ، والموجود في المكان الذي هو في أيدي أهل الذمة وتصرفهم في أيديهم واللقيط الذي هو في يد الذمي وتصرفه يكون ذميا ظاهرا ، فكان اعتبار المكان أولى فإن وجده مسلم في مصر من أمصار المسلمين فبلغ كافرا يجبر على الإسلام ولكن لا يقتل ; لأنه لم يعرف إسلامه حقيقة وإنما حكم به تبعا للدار فلم تتحقق ردته فلا يقتل وأما حاله في النسب فهو أنه مجهول النسب حتى لو ادعى إنسان نسبة الملتقط أو عتقه تصح دعوته ويثبت النسب منه لما علم في كتاب الدعوى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية