الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل .

اعتراض بين جملة أليس الله بكاف عبده الآية ، وجملة أليس الله بعزيز ذي انتقام قصد من هذا الاعتراض أن ضلالهم داء عياء لأنه ضلال مكون في نفوسهم وجبلتهم قد ثبتته الأيام ، ورسخه تعاقب الأجيال ، فران بغشاوته على ألبابهم ، فلما صار ضلالهم كالمجبول المطبوع أسند إيجاده إلى الله كناية عن تعسر أو تعذر اقتلاعه من نفوسهم .

وأريد من نفي الهادي من قوله فما له من هاد نفي حصول الاهتداء ، فكني عن عدم حصول الهدى بانتفاء الهادي لأن عدم الاهتداء يجعل هاديهم كالمنفي . وقد تقدم قوله في سورة الأعراف من يضلل الله فلا هادي له .

والآيتان متساويتان في إفادة نفي جنس الهادي ، إلا أن إفادة ذلك هنا بزيادة ( من ) تنصيصا على نفي الجنس . وفي آية الأعراف ببناء هادي على الفتح بعد ( لا ) النافية للجنس فإن بناء اسمها على الفتح مشعر بأن المراد نفي الجنس نصا . والاختلاف بين الأسلوبين تفنن في الكلام وهو من مقاصد البلغاء .

وتقديم ( له ) على ( هاد ) للاهتمام بضميرهم في مقام نفي الهادي لهم لأن ضلالهم المحكي هنا بالغ في الشناعة إذا بلغ بهم حد الطمع في تخويف النبيء بأصنامهم في حال ظهور عدم اعتداده بأصنامهم لكل متأمل من حال دعوته ، وإذ بلغ بهم اعتقاد مقدرة أصنامهم مع الغفلة عن قدرة الرب الحق ، بخلاف آية الأعراف فإن فيها ذكر إعراضهم عن النظر في ملكوت السماوات والأرض وهو ضلال دون ضلال التخويف من بأس أصنامهم .

[ ص: 15 ] وأما جملة ومن يهد الله فما له من مضل فقد اقتضاها أن الكلام الذي اعترضت بعده الجملتان اقتضى فريقين : فريقا متمسكا بالله القادر على النفع والضر وهو النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون ، وآخر مستمسكا بالأصنام العاجزة عن الأمرين ، فلما بين أن ضلال الفريق الثاني ضلال مكين ببيان أن هدى الفريق الآخر راسخ متين فلا مطمع للفريق الضال بأن يجروا المهتدين إلى ضلالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية