الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 373 ] فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر ، وكانت الهزيمة لا شك فيها ، وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد ، عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها ; مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة على العسكر حين كشفنا القوم عنه ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من خلفنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل . فانكفأنا وانكفأ القوم علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد منهم . قال : فحدثني بعض أهل العلم ، أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به ، وكان اللواء مع صؤاب غلام لبني أبي طلحة حبشي ، وكان آخر من أخذه منهم ، فقاتل به حتى قطعت يداه ، ثم برك عليه ، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه ، وهو يقول : [ ص: 374 ] اللهم هل أعزرت ؟ يعني اللهم هل أعذرت ؟ فقال حسان بن ثابت في ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فخرتم باللواء وشر فخر لواء حين رد إلى صؤاب     جعلتم فخركم فيه لعبد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وألأم من يطا عفر التراب     ظننتم والسفيه له ظنون
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما إن ذاك من أمر الصواب     بأن جلادنا يوم التقينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بمكة بيعكم حمر العياب     أقر العين أن عصبت يداه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما إن تعصبان على خضاب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان أيضا في رفع عمرة بنت علقمة اللواء لهم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا عضل سيقت إلينا كأنها     جداية شرك معلمات الحواجب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا     وحزناهم بالضرب من كل جانب [ ص: 375 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلولا لواء الحارثية أصبحوا     يباعون في الأسواق بيع الجلائب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فانكشف المسلمون ، وأصاب منهم العدو ، وكان يوم بلاء وتمحيص ، أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة ، حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدث بالحجارة حتى وقع لشقه ، فأصيبت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكلمت شفته ، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص ، فحدثني حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج في وجهه ، وجعل الدم يسيل في وجهه فجعل يمسح الدم ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ؟ فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير في " تاريخه " : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن المفضل ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أتى ابن قمئة الحارثي فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ، فكسر أنفه ورباعيته ، وشجه في وجهه فأثقله ، وتفرق [ ص: 376 ] عنه أصحابه ، ودخل بعضهم المدينة وانطلق طائفة فوق الجبل إلى الصخرة ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : إلي عباد الله ، إلي عباد الله . فاجتمع إليه ثلاثون رجلا ، فجعلوا يسيرون بين يديه ، فلم يقف أحد إلا طلحة ، وسهل بن حنيف فحماه طلحة فرمي بسهم في يده فيبست يده ، وأقبل أبي بن خلف الجمحي ، وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بل أنا أقتله . فقال : يا كذاب ، أين تفر ؟ فحمل عليه ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع ، فجرح جرحا خفيفا ، فوقع يخور خوار الثور ، فاحتملوه ، وقالوا : ليس بك جراحة ، فما يجزعك ؟ قال : أليس قال : لأقتلنك ؟ لو كانت بجميع ربيعة ومضر لقتلتهم . فلم يلبث إلا يوما أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح ، وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال : بعض أصحاب الصخرة : ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان ، يا قوم ، إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم . فقال أنس بن النضر : يا قوم ، إن كان محمد قد قتل ، فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء . ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس ، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه ، فأراد أن يرميه ، فقال : أنا رسول الله [ ص: 377 ] ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به ، فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا ، فقال الله عز وجل ، في الذين قالوا : إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية [ آل عمران : 144 ] فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم ، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه ، وهمهم أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة ، لا تعبد في الأرض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم ، فقال أبو سفيان يومئذ : اعل هبل ، حنظلة بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر . وذكر تمام القصة . وهذا غريب جدا ، وفي بعضه نكارة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : وزعم ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه ، عن أبي سعيد أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسر رباعيته اليمنى السفلى ، وجرح شفته السفلى ، وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته ، وأن عبد الله بن قمئة جرح وجنته ، فدخلت حلقتان من حلق [ ص: 378 ] المغفر في وجنته ، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ; ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، فأخذ علي بن أبي طالب بيده ، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ، ومص مالك بن سنان ، أبو أبي سعيد الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده ، فقال : من مس دمه دمي لم تصبه النار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وذكر قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع لشقه أغمي عليه ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح الدم عن وجهه ، فأفاق وهو يقول : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله ؟ فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء الآية . رواه ابن جرير وهو مرسل ، وسيأتي بسط هذا في فصل وحده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان أول النهار للمسلمين على الكفار ، كما قال الله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا الآية [ آل عمران : 152 ، 153 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس أنه قال : ما نصر الله في موطن كما نصر يوم أحد . قال : فأنكرنا ذلك ، فقال : بيني وبين من أنكر ذاك كتاب الله ، إن الله يقول في يوم أحد : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه يقول ابن عباس : والحس القتل . حتى إذا فشلتم إلى قوله : ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وإنما عنى بهذا الرماة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ، ثم قال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا . فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين ، أكب الرماة جميعا ، فدخلوا في العسكر ينهبون ، وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم هكذا - وشبك بين أصابع يديه - والتبسوا ، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها ، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا فالتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله وأصحابه أول النهار ، حتى قتل من أصحاب لواء [ ص: 380 ] المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ، ولم يبلغوا - حيث يقول الناس - الغار ، إنما كان تحت المهراس ، وصاح الشيطان : قتل محمد . فلم يشك فيه أنه حق ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه حق ، حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين ، نعرفه بتكفئه إذا مشى . قال : ففرحنا كأنه لم يصبنا ما أصابنا . قال : فرقي نحونا وهو يقول : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله ويقول مرة أخرى : اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا فمكث ساعة ، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : اعل هبل - مرتين ؛ يعني آلهته - أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر بن الخطاب : ألا أجيبه ؟ قال : بلى . قال فلما قال : اعل هبل . قال : الله أعلى وأجل ، فقال أبو سفيان : يا ابن الخطاب ، قد أنعمت عينها ، فعاد عنها . أو : فعال عنها . [ ص: 381 ] فقال : أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر . قال : فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، الأيام دول ، وإن الحرب سجال . قال : فقال : عمر : لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . قال : إنكم لتزعمون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا . ثم قال أبو سفيان : أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلا ، ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا . قال : ثم أدركته حمية الجاهلية . فقال : أما إنه إن كان ذلك لم نكرهه . وقد رواه ابن أبي حاتم ، والحاكم في " مستدركه " والبيهقي في الدلائل من حديث سليمان بن داود الهاشمي به . وهذا حديث غريب ، وهو من مرسلات ابن عباس ، وله شواهد من وجوه كثيرة ، سنذكر منها ما تيسر إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان ، وهو المستعان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي [ ص: 382 ] إسحاق ، عن البراء قال : لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال : لا تبرحوا ; إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقيناهم هربوا ، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل ، رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون : الغنيمة الغنيمة . فقال عبد الله : عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا . فأبوا ، فلما أبوا صرفت وجوههم ، فأصيب سبعون قتيلا ، وأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ . فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال : إن هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا . فلم يملك عمر نفسه ، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك . فقال : أبو سفيان اعل هبل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل . فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . وهذا من إفراد البخاري دون مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو [ ص: 383 ] إسحاق أن البراء بن عازب قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعا . وقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا ، حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم . قال : فهزموهم . قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل ، وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن . فقال : أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، أي قوم ، الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنظرون ؟ قال : عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين ، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا ، فأصابوا منا سبعين رجلا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة ; سبعين أسيرا وسبعين قتيلا ، فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ؟ أفي القوم محمد ؟ أفي القوم محمد ؟ ثلاثا ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا وقد [ ص: 384 ] كفيتموهم ، فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوءك . فقال : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . ثم أخذ يرتجز اعل هبل ، اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟ قالوا : يا رسول الله وما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل . قال : إن العزى لنا ، ولا عزى لكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه ؟ قالوا يا رسول الله ، ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم . ورواه البخاري من حديث زهير ، وهو ابن معاوية مختصرا ، وقد تقدم روايته له مطولة من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، وعلي بن زيد ، عن أنس بن مالك أن المشركين لما رهقوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش قال : من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، فلما رهقوه أيضا قال : من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ؟ حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله [ ص: 385 ] صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا ورواه مسلم ، عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : في " الدلائل " بإسناده ، عن عمارة بن غزية ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد في الجبل ، فلحقهم المشركون فقال : ألا أحد لهؤلاء ؟ فقال طلحة : أنا يا رسول الله . فقال : كما أنت يا طلحة . فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله . فقاتل عنه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه ، ثم قتل الأنصاري فلحقوه ، فقال : ألا رجل لهؤلاء ؟ فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل قوله ، فقال : رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله . فأذن له . فقاتل مثل قتاله وقتال صاحبه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصعدون ، ثم قتل فلحقوه ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة : أنا يا رسول الله . فيحبسه فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال [ ص: 386 ] فيأذن له فيقاتل مثل من كان قبله ، حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهؤلاء ؟ فقال طلحة : أنا . فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله ، فقال : حس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت : بسم الله . أو ذكرت اسم الله ; لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك ، حتى تلج بك في جو السماء ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، وهم مجتمعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى البخاري ، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن إسماعيل ، عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء ; وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الصحيحين " من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي قال : لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن غير طلحة ، وسعد عن حديثهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن هاشم بن هاشم [ ص: 387 ] الزهري : سمعت سعيد بن المسيب يقول : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال : ارم ، فداك أبي وأمي وأخرجه البخاري ، عن عبد الله بن محمد ، عن مروان به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح البخاري " من حديث عبد الله بن شداد ، عن علي بن أبي طالب قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك ، فإني سمعته يقول يوم أحد : يا سعد ، ارم فداك أبي وأمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عن بعض آل سعد ، عن سعد بن أبي وقاص أنه رمى يوم أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال سعد : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ، ويقول : ارم ، فداك أبي وأمي . حتى إنه ليناولني السهم ليس له نصل فأرمي به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وثبت في " الصحيحين " : من حديث إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، قال : رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما [ ص: 388 ] ثياب بيض ، يقاتلان أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ذلك ولا بعده . يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت ، عن أنس أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه يتترس به ، وكان راميا ، وكان إذا رمى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصه ينظر أين يقع سهمه ، ويرفع أبو طلحة صدره ، ويقول : هكذا بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا يصيبك سهم ، نحري دون نحرك . وكان أبو طلحة يشور نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : إني جلد يا رسول الله ، فوجهني في حوائجك ، ومرني بما شئت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز عن أنس قال : لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له ، وكان أبو طلحة [ ص: 389 ] رجلا راميا شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا ، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول : انثرها لأبي طلحة . قال : ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك ، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان ، أرى خدم سوقهما ، تنقزان القرب على متونهما ، تفرغانه في أفواه القوم ، ثم ترجعان فتملآنها ، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم ، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : وقال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس عن أبي طلحة قال : كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا ، يسقط وآخذه ، ويسقط فآخذه . هكذا ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم ، ويشهد له قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل [ ص: 390 ] إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور [ 003 155 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم [ آل عمران : 154 ، 155 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : حدثنا عبدان ، أخبرنا أبو حمزة ، عن عثمان بن موهب . قال : جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا ، فقال : من هؤلاء القعود ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : من الشيخ ؟ قالوا : ابن عمر . فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء أتحدثني ؟ قال : أنشدك بحرمة هذا البيت ، أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فكبر . قال ابن عمر : تعال ، لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه ; أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه ، وأما تغيبه عن بدر ; فإنه كان تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان ; فإنه لو كان أحد أعز [ ص: 391 ] ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى : هذه يد عثمان فضرب بها على يده ، فقال هذه لعثمان اذهب بهذا الآن معك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه البخاري : أيضا في موضع آخر والترمذي من حديث أبي عوانة ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأموي في " مغازيه " عن ابن إسحاق ، حدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن جده ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أوجب طلحة . حين صنع ما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم إلى المنقى دون الأعوص وفر عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتى بلغوا الجلعب ; جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا ثلاثا ثم رجعوا ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 392 ] قال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمقصود أن أحدا وقع فيها أشياء مما وقع في بدر منها ; حصول النعاس حال التحام الحرب ، وهذا دليل على طمأنينة القلوب بنصر الله وتأييده وتمام توكلها على خالقها وبارئها . وقد تقدم الكلام على قوله تعالى في غزوة بدر : إذ يغشيكم النعاس أمنة منه الآية [ الأنفال : 11 ] وقال هاهنا : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم يعني المؤمنين الكمل ، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف : النعاس في الحرب من الإيمان والنعاس في الصلاة من النفاق . ولهذا قال بعد هذا : وطائفة قد أهمتهم أنفسهم الآية [ آل عمران : 154 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصر يوم أحد كما استنصر يوم بدر بقوله : إن تشأ لا تعبد في الأرض كما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، وعفان قالا : حدثنا حماد ، حدثنا ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يوم أحد : اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض . ورواه مسلم ، عن حجاج بن الشاعر ، عن عبد الصمد ، عن حماد بن سلمة به . [ ص: 393 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو سمع جابر بن عبد الله قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال : في الجنة فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل ورواه مسلم ، والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به ، وهذا شبيه بقصة عمير بن الحمام التي تقدمت في غزوة بدر رضي الله عنهما وأرضاهما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية