الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .



قوله تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة أي فجأة . وهذا وعيد للكفار . فقد جاء أشراطها أي أماراتها وعلاماتها . وكانوا قد قرءوا في كتبهم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء ، فبعثه من أشراطها وأدلتها ، قاله الضحاك والحسن . وفي الصحيح عن أنس قال : قال [ ص: 220 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بعثت أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى ، لفظ مسلم ، وخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه . ويروى بعثت والساعة كفرسي رهان . وقيل : أشراط الساعة أسبابها التي هي دون معظمها . ومنه يقال للدون من الناس : الشرط . وقيل : يعني علامات الساعة انشقاق القمر والدخان ، قاله الحسن أيضا . وعن الكلبي : كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام ، وقلة الكرام وكثرة اللئام . وقد أتينا على هذا الباب في كتاب ( التذكرة ) مستوفى والحمد لله .

وواحد الأشراط شرط ، وأصله الأعلام . ومنه قيل الشرط ; لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها . ومنه الشرط في البيع وغيره . قال أبو الأسود :


فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا فقد جعلت أشراط أوله تبدو



ويقال : أشرط فلان نفسه في عمل كذا أي : أعلمها وجعلها له . قال أوس بن حجر يصف رجلا تدلى بحبل من رأس جبل إلى نبعة يقطعها ليتخذ منها قوسا :


فأشرط نفسه فيها وهو معصم     وألقى بأسباب له وتوكلا



أن تأتيهم بغتة ( أن ) بدل اشتمال من ( الساعة ) ، نحو قوله : أن تطئوهم من قوله : رجال مؤمنون ونساء مؤمنات . وقرئ ( بغتة ) بوزن جربة ، وهي غريبة لم ترد في المصادر أختها ؛ وهي مروية عن أبي عمرو . الزمخشري وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي عن أبي عمرو ، وأن يكون الصواب ( بغتة ) بفتح الغين من غير تشديد ، كقراءة الحسن . وروى أبو جعفر الرؤاسي وغيره من أهل مكة ( إن تأتهم بغتة ) . قال المهدوي : ومن قرأ ( إن تأتهم بغتة ) كان الوقف على ( الساعة ) ثم استأنف الشرط . وما يحتمله الكلام من الشك مردود إلى الخلق ، كأنه قال : إن شكوا في مجيئها ( فقد جاء أشراطها )

قوله تعالى : فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( ذكراهم ) ابتداء وأنى لهم الخبر . والضمير المرفوع في جاءتهم للساعة ، التقدير : فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة ، قال معناه قتادة وغيره . وقيل : فكيف لهم بالنجاة إذا جاءتهم الذكرى عند مجيء الساعة ، قاله ابن زيد . وفي الذكرى وجهان : أحدهما : تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر . الثاني : هو دعاؤهم بأسمائهم تبشيرا وتخويفا ، روى أبان عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أحسنوا أسماءكم [ ص: 221 ] فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك يا فلان قم لا نور لك ذكره الماوردي .

التالي السابق


الخدمات العلمية