الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1560 1534 - مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ؛ أنه سمعه يقول : لما صدر عمر بن الخطاب من منى ، أناخ بالأبطح ، ثم كوم كومة بطحاء ، ثم طرح عليها رداءه واستلقى ، ثم مد يديه إلى السماء فقال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ، ثم قدم المدينة فخطب الناس ، فقال : أيها الناس ، قد سنت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة ، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ، ثم قال : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا ، والذي نفسي بيده ، لولا أن يقول الناس : زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها ( الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة ) فإنا قد قرأناها .

                                                                                                                        قال مالك : قال يحيى بن سعيد : قال سعيد بن المسيب : فما انسلخ ذو [ ص: 68 ] الحجة حتى قتل عمر . رحمه الله .

                                                                                                                        قال يحيى : سمعت مالكا يقول : قوله " ( الشيخ والشيخة ) " ، يعني الثيب والثيبة . ( فارجموهما ألبتة ) .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35413 - قال أبو عمر : هذا حديث صحيح الإسناد ، يستند منه قوله : " رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                        35414 - وقد سمعه سعيد بن المسيب من عمر ، في قول جماعة من أهل العلم ، وشهد معه هذه الحجة ، وسمعه يقول عند رؤيته البيت ، وعند طوافه ، كلاما ، حفظه عنه ، قد ذكرته في " التمهيد " .

                                                                                                                        35415 - وكان علي بن المديني ؛ يصحح سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب .

                                                                                                                        [ ص: 69 ] 35416 - وكان ابن معين ينكره ، ويقول : كان غلاما في زمان عمر بن الخطاب ؛ لأنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر .

                                                                                                                        34517 - قال أبو عمر : كان سعيد بن المسيب حافظا ، ذكيا ، عالما ، وكان سنه في حجة عمر هذه ، ثمانية أعوام ونحوها ، ومن دون هذا السن يحفظ أكثر من هذا .

                                                                                                                        35418 - روى شعبة ، عن إياس بن معاوية ، قال : قال لي سعيد بن المسيب ممن أنت ؟ قلت : من مزينة . قال : إني لأذكر اليوم الذي نعى فيه عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني إلى الناس ، على المنبر .

                                                                                                                        35419 - رواه جماعة من حفاظ أصحاب شعبة ، عن شعبة .

                                                                                                                        35420 - وروى الأصمعي ، قال : حدثني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كنت في الغلمة الذين جروا جعدة العقيلي إلى عمر .

                                                                                                                        35421 - وقال الحسن الحلواني : حدثني أسباط ، عن الشيباني ، عن بكير بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سمعت عمر ، على المنبر يقول : لا أجد أحدا جامع ، ولم يغتسل - أنزل أو لم ينزل - إلا عاقبته .

                                                                                                                        35422 - قال أبو عمر : هذه الآثار أصح من حديث ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، قال قيل لسعيد بن المسيب ، أدركت عمر بن الخطاب ؟ وكان يحيى بن معين ينكر سماعه من عمر ، وروايته له .

                                                                                                                        [ ص: 70 ] 35423 - وليس الإنكار بعلم .

                                                                                                                        35424 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني عبد الصمد ، قال : حدثني شعبة ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : رأيت عمر بن الخطاب ؟ قال : نعم .

                                                                                                                        35425 - قال ابن وضاح : ولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر ، وسمع منه كلامه الذي قال حين نظر إلى الكعبة : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام .

                                                                                                                        35426 - كذلك قال ابن كاسب ، وغير واحد ممن لاقيت .

                                                                                                                        35427 - قال أبو عمر : ليس في قول عمر رضي الله عنه : فاقبضني إليك غير مضيع ، ولا مفرط ، خلافا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا يتمنين أحدكم الموت ؛ لضر نزل به " ؛ لأن هذا دعاء ، كان من عمر شفقة على دينه ، وخوفا من أن تدركه فتنة ، تصده عن القيام بأمور الناس ، في دنياهم ودينهم ، مما أدخل فيه نفسه .

                                                                                                                        [ ص: 71 ] 35428 - وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، عن تمني الموت عند نزول المصائب ، وحلول البلاء ؛ تسخطا للقضاء ، وقلة رضى ، وعدم صبر على الإيذاء .

                                                                                                                        35429 - وأما إذا كان ذلك شحا من المرء على دينه ، وخوفا من أن يفتن لما يرى من عموم الفتن ، فليس ذلك من معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        35430 - ألا ترى إلى قول معاذ بن جبل ، لما رأى ما رأى ، وعلم ما علم ؛ من إقبال الفتن ، قال في طاعون عمواس : يا طاعون ، خذني إليك . تمنيا للموت . فمات في ذلك الطاعون .

                                                                                                                        35431 - وما زال الأنبياء ، والصالحون ، يخافون الفتنة في الدين على أنفسهم ، ويتمنون من أجل ذلك الموت على خير ما هم عليه .

                                                                                                                        3543 - قال إبراهيم الخليل - عليه السلام - : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ سورة إبراهيم : الآية 35 ] .

                                                                                                                        35433 - وقال يوسف - عليه السلام - : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ سورة يوسف : الآية 101 ] .

                                                                                                                        35434 - قال أبو عمر : قد تقدم في هذا الباب من القول في الرجم ، وثبوته عند أهل العلم ، في السنة ، وفي الكتاب المحكم ، المعمول به عند جماعة منهم ، بشهادة الآثار الصحاح بذلك ما فيه - والحمد لله - كفاية .

                                                                                                                        35435 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني بكر بن حماد ، قال : حدثني مسدد .

                                                                                                                        [ ص: 72 ] وحدثني أحمد بن قاسم ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثني إسحاق بن عيسى ، قالا جميعا : حدثني حماد بن زيد - واللفظ لحديث مسدد - وهو أتم عن حديث ابن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، يخطب : أيها الناس ، إن الرجم حق ، فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة ، يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا .

                                                                                                                        35436 - قال أبو عمر : الخوارج كلها ، وكثير من المعتزلة ، يكذبون بهذا كله ، والله أسأله التوفيق لما يرضاه من عصمته ، ورحمته .

                                                                                                                        35437 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني قاسم بن إسماعيل ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : إن الله - عز وجل - بعث محمدا - عليه السلام - بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده .

                                                                                                                        [ ص: 73 ] 35438 - قال سفيان ، قد سمعته من الزهري بطوله ، وحفظ بعضه ، وسقط عليه منه ما سمعه من معمر عنه .

                                                                                                                        35439 - قال أبو عمر : يعني حديث السقيفة ، سمعه من الزهري بطوله ، وحفظ بعضه ، وسقط عليه منه ما سمعه عن معمر عنه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية