الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          مؤلف الكتاب " المقنع " .

                                                                                                                          هو الإمام العلامة الرباني المتفق على إمامته ، وديانته ، وسيادته ، وورعه موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي ، ولد بقرية جماعيل بفتح الجيم وتشديد الميم من جبل نابلس من الأرض المقدسة في شعبان سنة 541 إحدى وأربعين وخمسمائة ، اشتغل من صغره بالقرآن العزيز ، والفقه ، وقرأ على الشيخ أبي الفتح بن المني بقراءة أبي عمرو بن العلاء ، وعلى أبي الحسن علي البطائحي بقراءة نافع ، وسمع الحديث الكثير بمكة ، وبغداد ، والموصل ، ودمشق . وروى كثيرا من مسموعاته ، وسمع من خلق كثير يطول ذكرهم ، منهم الإمام العارف أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ، وأبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي ، وأبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان ، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن النقور ، وأبو المعالي أحمد بن عبد الغني بن حنيفة الباجسرائي ، والإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب . ووالده الإمام أبو العباس أحمد .

                                                                                                                          رحل في طلب العلم إلى بغداد وهو شاب في سنة 561 هـ إحدى وستين وخمسمائة ، فأقام نحوا من أربع سنين ، ثم رجع وقد حصل الفقه والحديث والخلاف ، ثم سافر ثانية فأقام سنة ، ثم رجع ، ثم حج سنة 573 سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ، ومضى على طريق العراق ودخل بغداد ، وأقام ثالثة واشتغل ، فقيل : إنه في هذه السفرة كرر على مائة مسألة من الخلاف ، ثم رجع واشتغل بالأشغال والتصنيف ، فمن تصانيفه [ ص: 427 ] كتاب " البرهان " وجزء في " الاعتقاد " وكتاب " العلو " وكتاب " ذم التأويل " وكتاب " القدر " وفي الحديث كتاب " المتحابين " وكتاب " التوابين " وكتاب " الرقة " وكتاب " فضائل الصحابة " وأجزاء جمعها ، وله كتاب " التبيين في أنساب القرشيين " وكتاب " الاستنصار في أنساب الأنصار " وصنف في الفقه كتاب " المغني " في سبع مجلدات بخطه ، وكتاب " الكافي " مجلدان ، وكتاب " المقنع " مجلد ، وكتاب " العمدة " مجلد لطيف ، و " مختصر الهداية " مجلد وله كتاب " الروضة " في أصول الفقه ، وكتاب " قنعة الأريب في تفسير الغريب " ومقدمتان في الفرائض ، وغير ذلك .

                                                                                                                          كان رحمه الله إماما في الفقه ، والخلاف ، والفرائض ، والجبر ، والحساب ، والنحو ، والنجوم السيارة ، له فيها نظم حسن . وكان شديد الحلم ، والتواضع ، حسن الأخلاق والشيم ، ذا رأي ومعرفة ، قليل الاهتمام بالدنيا ، مفوضا أمره إلى الله تعالى ، كثير التعبد حسنه ، ذا كرامات ظاهرة كثيرة ، فلذلك نفع الله به الخلق في حياته ، واتصل النفع به بعد موته بتصانيفه ، بحيث لا يكاد يستغني عنها أحد من أهل مذهبه ، وله شعر حسن . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : ما حل بالشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق ، توفي رحمه الله تعالى يوم السبت ، وهو يوم عيد الفطر بدمشق ، ودفن يوم الأحد من سنة 620 عشرين وستمائة بجبل قاسيون تحت المغارة المعروفة ب " مغارة توبة " وكان الخلق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى ، وقبره مشهور يزار ، رحمه الله تعالى ورضي عنه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية