الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 106 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن يونس لمن المرسلين ( 139 ) إذ أبق إلى الفلك المشحون ( 140 ) فساهم فكان من المدحضين ( 141 ) فالتقمه الحوت وهو مليم ( 142 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وإن يونس لمرسل من المرسلين إلى أقوامهم ( إذ أبق إلى الفلك المشحون ) يقول : حين فر إلى الفلك ، وهو السفينة ، المشحون : وهو المملوء من الحمولة الموقر .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إلى الفلك المشحون ) كنا نحدث أنه الموقر من الفلك .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله ( الفلك المشحون ) قال : الموقر . وقوله ( فساهم ) يقول : فقارع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

[ ص: 107 ] ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فساهم ) يقول أقرع .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فساهم فكان من المدحضين ) قال : فاحتبست السفينة ، فعلم القوم أنما احتبست من حدث أحدثوه ، فتساهموا ، فقرع يونس ، فرمى بنفسه ، فالتقمه الحوت .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله ( فساهم ) قال : قارع .

وقوله ( فكان من المدحضين ) يعني : فكان من المسهومين المغلوبين ، يقال منه : أدحض الله حجة فلان فدحضت : أي أبطلها فبطلت ، والدحض : أصله الزلق في الماء والطين ، وقد ذكر عنهم : دحض الله حجته ، وهي قليلة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فكان من المدحضين ) يقول : من المقروعين .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( من المدحضين ) قال : من المسهومين .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( فكان من المدحضين ) قال : من المقرعين .

وقوله ( فالتقمه الحوت ) يقول : فابتلعه الحوت ، وهو افتعل من اللقم . وقوله ( وهو مليم ) يقول : وهو مكتسب اللوم ، يقال : قد ألام الرجل ، إذا أتى ما يلام عليه من الأمر وإن لم يلم ، كما يقال : أصبحت محمقا معطشا : أي عندك الحمق والعطش ، ومنه قول لبيد :


سفها عذلت ولمت غير مليم وهداك قبل اليوم غير حكيم



فأما الملوم فهو الذي يلام باللسان ، ويعذل بالقول .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثني أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( وهو مليم ) قال : مذنب .

[ ص: 108 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وهو مليم ) : أي في صنعه .

حدثني يونس ، قال . أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وهو مليم ) قال : وهو مذنب قال : والمليم : المذنب .

التالي السابق


الخدمات العلمية