الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 417 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المرسلات

لم ترد لها تسمية صريحة عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن يضاف لفظ سورة إلى جملتها الأولى .

وسميت في عهد الصحابة سورة ( والمرسلات عرفا ) ففي حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين " بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة ( والمرسلات عرفا ) فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ خرجت علينا حية " الحديث .

وفي الصحيح عن ابن عباس قال : قرأت سورة والمرسلات عرفا فسمعتني أم الفضل - امرأة العباس - فبكت وقالت : بني أذكرتني بقراءتك هذه السورة ، إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في صلاة المغرب .

وسميت ( سورة المرسلات ) ، روى أبو داود عن ابن مسعود " كان النبيء [ ص: 418 ] - صلى الله عليه وسلم - يقرأ النظائر السورتين في ركعة الرحمان والنجم في ركعة ، واقتربت والحاقة في ركعة " ثم قال " وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة " فجعل هذه الألفاظ بدلا من قوله السورتين وسماها المرسلات بدون واو القسم لأن الواو التي في كلامه واو العطف مثل أخواتها في كلامه .

واشتهرت في المصاحف باسم ( المرسلات ) وكذلك في التفاسير وفي صحيح البخاري .

وذكر الخفاجي وسعد الله الشهير بسعدي في حاشيتيهما على البيضاوي أنها تسمى ( سورة العرف ) ولم يسنداه ، ولم يذكرها صاحب الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .

وفي الإتقان عن كتاب ابن الضريس عن ابن عباس في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم ( المرسلات ) . وفيه عن دلائل النبوة للبيهقي عن عكرمة والحسن في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم ( المرسلات ) .

وهي مكية عند جمهور المفسرين من السلف ، وذلك ظاهر حديث ابن مسعود المذكور آنفا ، وهو يقتضي أنها من أوائل سور القرآن نزولا لأنها نزلت والنبيء - صلى الله عليه وسلم - مختف في غار بمنى مع بعض أصحابه .

وعن ابن عباس وقتادة : أن آية ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) مدنية نزلت في المنافقين ، ومحمل ذلك أنه تأويل ممن رواه عنه نظرا إلى أن الكفار الصرحاء لا يؤمرون بالصلاة ، وليس في ذلك حجة لكون الآية مدنية فإن الضمير في قوله ( وإذا قيل لهم ) وارد على طريقة الضمائر قبله وكلها عائدة إلى الكفار وهم المشركون . ومعنى ( قيل لهم اركعوا ) : كناية عن أن يقال لهم أسلموا . ونظيره قوله تعالى ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) فهي في المشركين وقوله ( قالوا لم نك من المصلين ) إلى قوله ( وكنا نكذب بيوم الدين ) .

وعن مقاتل نزلت ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) في شأن وفد ثقيف حين أسلموا بعد غزوة هوازن وأتوا المدينة فأمرهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة فقالوا : لا نجبي فإنها مسبة علينا . فقال لهم : لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود .

[ ص: 419 ] وهذا أيضا أضعف ، وإذا صح ذلك فإنما أراد مقاتل أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم الآية .

وهي السورة الثالثة والثلاثون في عداد ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد .

واتفق العادون على عد آيها خمسين .

التالي السابق


الخدمات العلمية