الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 141 ] قصة الخضر ، وخبره مع موسى

قال أهل الكتاب : إن موسى صاحب الخضر هو موسى بن منشى بن يوسف بن يعقوب ، والحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن موسى صاحب الخضر هو موسى بن عمران على ما نذكره . وكان الخضر ممن كان أيام أفريدون الملك بن أثغيان في قول علماء أهل الكتب الأول قبل موسى بن عمران .

وقيل : إنه بلغ مع ذي القرنين الأكبر الذي كان في أيام إبراهيم الخليل ، وإنه بلغ مع ذي القرنين نهر الحياة فشرب من مائه ولا يعلم ذو القرنين ومن معه ، فخلد وهو حي عندهم إلى الآن .

وزعم بعضهم : أنه كان من ولد من آمن مع إبراهيم ، وهاجر معه ، واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وكان أبوه ملكا عظيما . وقال آخرون : ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم أفريدون بن أثغيان ، وعلى [ ص: 142 ] مقدمته كان الخضر .

قال عبد الله بن شوذب : الخضر من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام بالموسم .

وقال ابن إسحاق : استخلف الله على بني إسرائيل رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص ، فبعث الله لهم الخضر معه نبيا ، قال : واسم الخضر فيما يقول بنو إسرائيل إرميا بن حلقيا ، وكان من سبط هارون بن عمران ، وبين هذا الملك وبين أفريدون أكثر من ألف عام .

وقول من قال إن الخضر كان في أيام أفريدون وذي القرنين الأكبر قبل موسى بن عمران أشبه للحديث الصحيح أن موسى بن عمران أمره الله بطلب الخضر ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أعلم الخلق بالكائن من الأمور ، فيحتمل أن يكون الخضر على مقدمة ذي القرنين قبل موسى ، وأنه شرب من ماء الحياة فطال عمره ، ولم يرسل في أيام إبراهيم ، وبعث في أيام ناشية بن أموص ، وكان ناشية هذا في أيام بشتاسب بن لهراسب ، والحديث ما رواه أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال سعيد بن جبير : قلت لـ ابن عباس : إن نوفا يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى بن عمران . قال : كذب عدو الله ، حدثني أبي بن كعب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن موسى قام في بني إسرائيل خطيبا ، فقيل له : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه ، فقال : يا رب ، هل هناك أعلم مني ؟ قال : بلى ، عبد لي بمجمع البحرين . قال : يا رب كيف لي به ؟ قال : تأخذ حوتا فتجعله في مكتل فحيث تفقده فهو هناك . فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، ثم قال لفتاه : إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا الصخرة ، وذلك الماء ، وهو ماء الحياة ، فمن شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ، فمس الحوت منه فحيي ، وكان موسى راقدا ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج في البحر ، فأمسك الله عنه جرية الماء فصار مثل الطاق ، فصار للحوت سرب ، وكان لهما عجبا ، ثم انطلقا ، فلما كان [ ص: 143 ] حين الغداء قال موسى لفتاه : ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) .

قال : ولم يجد موسى النصب حتى تجاوز حيث أمره الله ، فقال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا . قال : يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة ، فإذا رجل نائم مسجى بثوبه ، فسلم موسى عليه . فقال : وأنى بأرضنا السلام ! قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه ، وأنت على علم من علم الله لا أعلمه . قال : فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا . قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ثم ركبا سفينة ، فجاء عصفور فقعد على حرف السفينة فنقر في الماء ، فقال الخضر لموسى ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر هذا العصفور من البحر .

قال : فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يوتد وتدا أو ينزع تختا منها . فقال له موسى : حملنا بغير نول فتخرقها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت . قال : وكانت الأولى من موسى نسيانا . قال : فخرجا فانطلقا يمشيان فأبصرا غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ برأسه فقتله ، فقال له موسى : أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فلم [ ص: 144 ] يجدا أحدا يطعمهما ولا يسقيهما ، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه فقال له موسى : لم يضيفونا ولم ينزلونا ، لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا - وفي قراءة أبي : سفينة صالحة وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا إلى ما لم تسطع عليه صبرا .


فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما .

قيل لـ ابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر ، فقال : شرب الفتى من الماء فخلد ، فأخذه العالم فطابق به سفينته ، ثم أرسلها في البحر ، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة .

الحديث يدل على أن الخضر كان قبل موسى وفي أيامه ، ويدل على خطإ من قال إنه إرميا ، لأن إرميا كان أيام بختنصر ، وبين أيام موسى وبختنصر من المدة ما لا يشكل على عالم بأيام الناس ، فإن موسى إنما نبئ في أيام منوجهر ، وكان ملكه بعد جده أفريدون .

التالي السابق


الخدمات العلمية