الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
( في فتن المال والثراء والنساء والبداوة والأمراء المضلين والعلماء المنافقين ) .

قد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتي المال } وقال ابن عبد البر قال صلى الله عليه وسلم : { إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وإنهما مهلكاكم } .

وقال الحسن البصري لكل أمة صنم يعبدونه وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم .

وفي الصحيحين وغيرهما عن عقبة مرفوعا { والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم } .

ورواه أيضا عن أبي سعيد مرفوعا { إن أخوف ما أخاف عليكم أن يخرج الله لكم من زهرة الدنيا وزينتها قالوا وما زهرة الدنيا قال بركات الأرض فقال رجل أويأتي الخير بالشر قال أوخير هو ؟ ثلاثا إن الخير لا يأتي إلا بالخير وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم اجترت فعادت فأكلت ، وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم [ ص: 298 ] وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليهم شهيدا يوم القيامة } .

قوله اجترت أي مضغت جرتها بكسر الجيم ما يخرجه البعير من بطنه فيمضغه ثم يبلعه .

ولمسلم من حديث أبي سعيد { فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } .

وروى أحمد في المسند من رواية ابن عقيل وحديثه حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط } : ورواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، وصح أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء } .

رواه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد .

وعن عمر مرفوعا { لا أخاف على أمتي إلا اللبن فإن الشيطان بين الرغوة والصريح } رواه أحمد الصريح الخالص من اللبن قال بعض العلماء والمراد أن الشيطان يحبب إليهم اللبن فيخرجون إلى البادية ويتركون الجمعة والجماعة .

وروى البيهقي محتجا به من رواية ابن لهيعة عن أبي قنبل عن عقبة بن عامر مرفوعا { هلاك أمتي في الكتاب واللبن فقيل يا رسول الله ما الكتاب واللبن قال يتعلمون القرآن ويتأولونه على غير ما أنزل الله ، ويحبون اللبن ويتركون الجماعات والجمع ويبدون } احتج به البيهقي في كتاب المدخل لكتاب الشافعي رضي الله عنه إن العام على عمومه والظاهر على ظاهره حتى يرد دليل .

واحتج أيضا بحديث ابن مسعود { هلك المتنطعون } رواه مسلم ، وروى أحمد بإسناد صحيح عن محمود بن لبيد وهو مختلف في صحبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال : الرياء } .

وعن أبي ذر { قلت يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من المسيح الدجال قال : الأئمة المضلين } رواه أحمد من رواية ابن لهيعة .

وروى أيضا ثنا عبد الرزاق قال : قال معمر أخبرني أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء [ ص: 299 ] الرحبي عن شداد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة } إسناد جيد ، ولأحمد ومسلم والترمذي وصححه مثله من حديث ثوبان .

ولأحمد عن يزيد وأبي سعيد عن ديلم بن غزوان ثنا ميمون الكردي حدثني أبو عثمان النهدي عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان } حديث رواه الدارقطني وقال موقوف أشبه بالصواب وزاد أحمد في رواية " يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور " .

وعن عمر أيضا قال كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم اللسان .

رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من رواية مؤمل بن إسماعيل وهو مختلف فيه ولأحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد { ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قلنا بلى قال : الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل } . وعن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن رجل من بني كاهل عن أبي موسى مرفوعا { أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل قال فقولوا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم } رواه أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية