الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          [ ص: 270 ] [ ص: 271 ] [ ص: 272 ] [ ص: 273 ] الباب الرابع : فيما أظهره الله - تعالى - على يديه من المعجزات ، وشرفه به من الخصائص ، والكرامات

          وفيه ثلاثون فصلا

          الفصل الأول :

          قال القاضي أبو الفضل : حسب المتأمل أن يحقق أن كتابنا هذا لم نجمعه لمنكر نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ولا لطاعن في معجزاته ، فنحتاج إلى نصب البراهين عليها ، وتحصين حوزتها ، حتى لا يتوصل المطاعن إليها ، ونذكر شروط المعجز ، والتحدي ، وحده ، وفساد قول من أبطل نسخ الشرائع ، ورده ، بل ألفناه لأهل ملته ، الملبين لدعوته ، المصدقين لنبوته ، ليكون تأكيدا في محبتهم له ، ومنماة لأعمالهم ، و ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ الفتح : 4 ] .

          ونيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ، ومشاهير آياته ، لتدل على عظيم قدره عند ربه . وأتينا منها بالمحقق ، والصحيح الإسناد ، وأكثره مما بلغ القطع ، أو كاد ، وأضفنا إليها بعض ما وقع في مشاهير كتب الأئمة .

          وإذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره ، وحميد سيره ، وبراعة علمه ، ورجاحة عقله ، وحلمه ، وجملة كماله ، وجميع خصاله ، وشاهد حاله ، وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته ، وصدق دعوته .

          وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه ، والإيمان به .

          فروينا عن الترمذي ، وابن قانع ، وغيرهما بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب .

          [ حدثنا به القاضي الشهيد أبو علي - رحمه الله - ، قال : حدثنا أبو الحسين الصيرفي ، وأبو الفضل بن خيرون ، عن أبي يعلى البغدادي ، عن أبي علي السنجي ، عن ابن محبوب ، عن الترمذي ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن جعفر ، وابن أبي عدي ، ويحيى بن سعيد ، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن زرارة بن أوفى ، عن عبد الله بن سلام . . . الحديث ] .

          وعن أبي رمثة التيمي : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعي ابن لي ، فأريته ، فلما رأيته قلت : هذا نبي الله .

          [ ص: 274 ] وروى مسلم ، وغيره أن ضمادا لما وفد عليه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ، ورسوله قال له : أعد علي كلماتك هؤلاء ، فلقد بلغت قاموس البحر هات يدك أبايعك .

          وقال جامع بن شداد : كان رجل منا يقال له طارق ، فأخبر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، فقال : هل معكم شيء تبيعونه ؟ قلنا : هذا البعير . قال : بكم ؟ قلنا : بكذا ، وكذا ، وسقا من تمر ، فأخذ بخطامه ، وسار إلى المدينة فقلنا : بعنا من رجل لا ندري من هو ، ومعنا ظعينة ، فقالت : أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم .

          فأصبحنا ، فجاء رجل بتمر فقال : أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم ، يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ، وتكتالوا حتى تستوفوا . ففعلنا
          .

          وفي خبر الجلندي ملك عمان لما بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام قال الجلندي : والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الموعود ، وأشهد أنه نبي .

          وقال " نفطويه " في قوله - تعالى - : يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار [ النور : 35 ] : هذا مثل ضربه الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : يكاد منظره يدل على نبوته ، وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة :


          لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر



          [ ص: 275 ] وقد آن أن نأخذ في ذكر النبوة ، والوحي ، والرسالة ، وبعده في معجزة القرآن ، وما فيه من برهان ، ودلالة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية