الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا .

                          أمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من أعداء الدعوة الإسلامية وأهلها بالاستعداد التام للحرب ، وبالنفر وكيفية تعبئة الجيش وسوقه ، وذكر حال المبطئين عن القتال ، وكونها لا تتفق مع ما يجب أن يكون عليه أهل الإيمان ، ثم أمر بالقتال المشروع يرغب فيه المؤمنين الذين يؤثرون ما عند الله - تعالى - في دار الجزاء على الكسب والغنيمة وعلى الفخر بالقوة والغلب فقال :

                          فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة قال الأستاذ الإمام : بين الله - تعالى - حال ضعفاء الإيمان الذين يبطئون عن القتال في سبيله ، ثم دلهم بهذه الآية على طريق [ ص: 210 ] تطهير نفوسهم من ذلك الذنب العظيم ذنب القعود عن القتال ، ولو عملوا كل صالح وضعفت نفوسهم عن القتال لما كان ذلك مكفرا لخطيئتهم ، وسبيل الله هي طريق الحق والانتصار له ، فمنه إعلاء كلمة الله ونشر دعوة الإسلام ، ومنه دفاع الأعداء ، إذا هددوا أمننا ، أو أغاروا على أرضنا أو نهبوا أموالنا ، أو صادرونا في تجارتنا ، وصدونا عن استعمال حقوقنا مع الناس ، فسبيل الله عبارة عن تأييد الحق الذي قرره ، ويدخل فيه كل ما ذكرناه ، و يشرون بمعنى يبيعون قولا واحدا بلا احتمال ، واستعمال القرآن فيه مطرد ففي سورة يوسف : وشروه بثمن بخس ( 12 : 20 ) ، أي : باعوه ، وقال تعالى : ولبئس ما شروا به أنفسهم ( 2 : 102 ) ، أي : باعوها وقال : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ( 2 : 207 ) ; أي يبيعها ، والباء في صيغة البيع تدخل على الثمن دائما ، فالمعنى : أن من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمنا لها وبدلا عنها فليقاتل في سبيل الله .

                          أقول : إن المفسرين ذكروا في يشرون وجهين : أحدهما : أنه بمعنى البيع كما اختار الأستاذ الإمام ، والثاني : أنه بمعنى الابتياع الذي يطلق عليه في عرفنا الآن الشراء ، وقد قال المفسرون : إن شرى يشري يستعمل بمعنى باع وبمعنى ابتاع ، وإن اللفظ في الآية يحتمل المعنيين ، فإن أريد به البيع فهو للمؤمنين الصادقين الكاملين ، وإن أريد به الابتياع فهو لأولئك المبطئين ليتوبوا ، وذهب الراغب إلى أن الشراء والبيع إنما يستعملان بمعنى واحد في التعبير عن استبدال سلعة بسلعة دون استبدال سلعة بدراهم ، والقرآن استعمل لفظ شرى يشري بمعنى باع يبيع ، واشترى يشتري بمعنى ابتاع يبتاع ، فهذا هو الصحيح أو الفصيح وإن ورد عن أهل اللغة : " شريت بردا " بمعنى اشتريته في الشعر بدون ذكر الثمن ، وقد يذكر الثمن أو البدل وقد يسكت عنه وهو ما تدخل عليه الباء دائما سواء استعمل الشراء أو البيع في الحسيات أو المعنويات .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية