الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7150 ) مسألة : قال : ( وإذا زنى العبد والأمة ، جلد كل واحد منهما خمسين جلدة ، ولم يغربا ) وجملته أن حد العبد والأمة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين . في قول أكثر الفقهاء ; منهم عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والحسن ، والنخعي ، ومالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة والشافعي ، والبتي ، والعنبري وقال ابن عباس ، وطاوس ، وأبو عبيد : إن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد ، ولا حد على غيرهما ; لقول الله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } . فدليل خطابه أنه لا حد على غير المحصنات .

                                                                                                                                            وقال داود على الأمة نصف الحد إذا زنت بعدما زوجت ، وعلى العبد جلد مائة بكل حال ، وفي الأمة إذا لم تزوج روايتان ; ؟ إحداهما ، لا حد عليها . والأخرى ، تجلد مائة ; لأن قول الله تعالى : { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } . عام ، خرجت منه الأمة المحصنة بقوله : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } . فيبقى العبد والأمة التي لم تحصن على مقتضى العموم .

                                                                                                                                            ويحتمل دليل الخطاب في الأمة أن لا حد عليها ، لقول ابن عباس . وقال أبو ثور : إذا لم يحصنا بالتزويج ، فعليهما نصف الحد ، وإن أحصنا فعليهما الرجم ; لعموم الأخبار فيه ، ولأنه حد لا يتبعض ، فوجب تكميله ، كالقطع في السرقة . ولنا ، ما روى ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد ، وسئل ، قالوا : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إذا زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير } . متفق عليه . قال ابن شهاب : وهذا نص في جلد الأمة إذا لم تحصن ، وهو حجة على ابن عباس ، وموافقيه وداود .

                                                                                                                                            وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن ، وخمسين إذا كانت محصنة ، خلاف ما شرع الله تعالى ، فإن الله ضاعف عقوبة المحصنة على غيرها ، فجعل الرجم على المحصنة ، والجلد على البكر وداود [ ص: 50 ] ضاعف عقوبة البكر على المحصنة ، واتباع شرع الله أولى . وأما دليل الخطاب ، فقد روي عن ابن مسعود ، رحمة الله عليه ، أنه قال : إحصانها إسلامها وأقراؤها . بفتح الألف . ثم دليل الخطاب إنما يكون دليلا إذا لم يكن للتخصيص بالذكر فائدة ، سوى اختصاصه بالحكم ، ومتى كانت له فائدة أخرى ، لم يكن دليلا ، مثل أن يخرج مخرج الغالب ، أو للتنبيه ، أو لمعنى من المعاني ، وقد قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } . ولم يختص التحريم باللاتي في حجوركم .

                                                                                                                                            وقال : { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } . وحرم حلائل الأبناء من الرضاع ، وأبناء الأبناء . وقال : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } . وأبيح القصر بدون الخوف . وأما العبد فلا فرق بينه وبين الأمة ، فالتنصيص على أحدهما يثبت حكمه في حق الآخر ، كما أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أعتق شركا له في عبد . } ثبت حكمه في حق الأمة ، ثم إن المنطوق أولى منه على كل حال . وأما أبو ثور ، فخالف نص قوله تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } . وعمل به فيما لم يتناوله النص ، وخرق الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات ، كما خرق داود الإجماع في تكميل الجلد على العبيد ، وتضعيف حد الأبكار على المحصنات

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية