الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7185 ) فصل : واذا لم تكمل شهود الزنا ، فعليهم الحد . في قول أكثر أهل العلم ، منهم مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وذكر أبو الخطاب فيهم روايتين . وحكي عن الشافعي فيهم قولان ; أحدهما : لا حد عليهم ; لأنهم [ ص: 67 ] شهود فلم يجب عليهم الحد ، كما لو كانوا أربعة أحدهما فاسق .

                                                                                                                                            ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } . وهذا يوجب الجلد على كل رام لم يشهد بما قال أربعة ; ولأنه إجماع الصحابة ، فإن عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حين لم يكمل الرابع شهادته ، بمحضر من الصحابة ، فلم ينكره أحد . وروى صالح في " مسائله " بإسناده عن أبي عثمان النهدي ، قال : جاء رجل إلى عمر ، فشهد على المغيرة بن شعبة ، فتغير لون عمر ، ثم جاء آخر فشهد ، فتغير لون عمر ، ثم جاء آخر فشهد ، فاستكبر ذلك عمر ، ثم جاء شاب يخطر بيديه ، فقال عمر : ما عندك يا سلح العقاب ؟ وصاح به عمر صيحة ، فقال أبو عثمان : والله لقد كدت يغشى علي . فقال : يا أمير المؤمنين ، رأيت أمرا قبيحا . فقال : الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . قال : فأمر بأولئك النفر فجلدوا . وفي رواية أن عمر لما شهد عنده على المغيرة ، شهد ثلاثة ، وبقي زياد ، فقال عمر أرى شابا حسنا ، وأرجو أن لا يفضح الله على لسانه رجلا من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا أمير ، رأيت استا تنبو ، ونفسا يعلو ، ورأيت رجليها فوق عنقه ، كأنهما أذنا حمار ، ولا أدري ما وراء ذلك ؟ فقال عمر : الله أكبر . وأمر بالثلاثة فضربوا . وقول عمر : يا سلح العقاب معناه : أنه يشبه سلح العقاب ، الذي يحرق كل شيء أصابه ، وكذلك هذا ، توقع العقوبة بأحد الفريقين لا محالة ، إن كملت شهادته حد المشهود عليه ، وإن لم تكمل ، حد أصحابه .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد خالفهم أبو بكرة وأصحابه الذين شهدوا . قلنا : لم يخالفوا في وجوب الحد عليهم ، إنما خالفوهم في صحة ما شهدوا به ; ولأنه رام بالزنا لم يأت بأربعة شهداء ، فيجب عليه الحد ، كما لو لم يأت بأحد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية