الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 694 ] باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا الكديمي ، ثنا قريش بن أنس ، ثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن رجل يقال له : سويد بن يزيد السلمي . قال : سمعت أبا ذر يقول : لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته ؛ كنت رجلا أتتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يوما جالسا وحده ، فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه ، فجاء أبو بكر فسلم عليه ، ثم جلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر ، ثم جاء عثمان فسلم ، وجلس عن يمين عمر ، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات . أو قال : تسع حصيات . فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ، ثم وضعهن ، فخرسن ، ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذه خلافة النبوة " . قال البيهقي : [ ص: 695 ] وكذلك رواه محمد بن بشار ، عن قريش بن أنس ، عن صالح بن أبي الأخضر ، وصالح لم يكن حافظا ، والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : ذكر الوليد بن سويد ، أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ، ذكر له هذا الحديث عن أبي ذر هكذا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وقد قال محمد بن يحيى الذهلي في " الزهريات " التي جمع فيها أحاديث الزهري : حدثنا أبو اليمان ، ثنا شعيب ، عن الزهري قال : ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ، ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في ذلك المجلس ، وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفان يقول السلمي : فأنا أظن أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة ؛ لإنزاله إياه بالربذة . فلما ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك ، وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة ، فلما ذكره قال : لا تقل في عثمان إلا خيرا ، فإني أشهد لقد رأيت منه منظرا ، وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى أموت ؛ كنت رجلا ألتمس خلوات النبي صلى الله عليه وسلم : لأسمع منه أو لآخذ عنه ، فهجرت يوما من الأيام ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته فسألت عنه الخادم ، فأخبرني أنه في بيت ، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس ، وكأني حينئذ أرى أنه في وحي ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : " ما جاء بك " فقلت : جاء بي الله ورسوله . فأمرني [ ص: 696 ] أن أجلس ، فجلست إلى جنبه ، لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي ، فمكثت غير كثير ، فجاء أبو بكر يمشي مسرعا فسلم عليه ، فرد السلام ، ثم قال : " ما جاء بك ؟ " قال : جاء بي الله ورسوله . فأشار بيده أن اجلس ، فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم ، بينه وبينها الطريق ، حتى إذا استوى أبو بكر جالسا ، فأشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني ، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة ، ثم جاء عثمان فسلم فرد السلام ، وقال : " ما جاء بك ؟ " قال : جاء بي الله ورسوله . فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة ، ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر ، فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه قال : " قليل ما يبقين " . ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك ، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل ، في كف النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر كما سبحن في كف النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن فصرن حصا ، ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر ، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن ، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر ، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن . قال الحافظ ابن عساكر : رواه صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، فقال : عن رجل يقال له : سويد بن يزيد السلمي . وقول شعيب أصح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 697 ] وقال أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " : وقد روى داود بن أبي هند ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ذر مثله . ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد . قال : وفيه عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ما رواه البخاري عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر في ذلك : روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال : حدثني أبو أمي مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده أبي أسيد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب : " يا أبا الفضل ، لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم ؛ فإن لي فيكم حاجة " . فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى ، فدخل عليهم فقال : " السلام عليكم " . قالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . قال : " كيف أصبحتم ؟ " قالوا : أصبحنا بخير نحمد الله ، فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؟ قال : " أصبحت بخير أحمد الله " . فقال لهم : " تقاربوا ، تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض " . حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته ، وقال : " يا رب ، هذا عمي وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي [ ص: 698 ] فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه " . قال : فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت : آمين آمين آمين . وقد رواه أبو عبد الله بن ماجه في " سننه " مختصرا ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي ، عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص الوقاصي الزهري ، روى عنه جماعة . وقد قال ابن معين : لا أعرفه . وقال أبو حاتم : يروي أحاديث مشبهة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا إبراهيم بن طهمان ، حدثني سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن أبي بكير به . ورواه أبو داود الطيالسي ، عن سليمان بن معاذ ، عن سماك به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : قال الترمذي : ثنا عباد بن يعقوب الكوفي ، ثنا الوليد بن أبي ثور ، عن السدي ، عن عباد بن أبي يزيد ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله جبل ولا شجر إلا [ ص: 699 ] قال : السلام عليك يا رسول الله . ثم قال : وهذا حديث حسن غريب ، وقد رواه غير واحد عن الوليد بن أبي ثور ، وقالوا : عن عباد بن أبي يزيد . منهم فروة بن أبي المغراء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة ، عن السدي ، عن أبي عمارة الخيواني ، عن علي قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلا سلم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدمنا في المبعث أنه عليه الصلاة والسلام ، لما رجع وقد أوحي إليه ، جعل لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال له : السلام عليك يا رسول الله وذكرنا في وقعة بدر ووقعة حنين رميه عليه الصلاة والسلام ، بتلك القبضة من التراب ، وأمره أصحابه أن يتبعوها بالحملة الصادقة ، فيكون النصر والظفر والتأييد عقب ذلك سريعا ، أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الأنفال : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى الآية [ الأنفال : 17 ] . وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الأحاديث بأسانيده وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث آخر : وذكرنا في غزوة الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام ، فوجد الأصنام حول الكعبة ، فجعل يطعنها بشيء في يده ، ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، قل جاء الحق وما يبدئ الباطل [ ص: 700 ] وما يعيد " وفي رواية : أنه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خر لقفاه . وفي رواية : إلا سقط .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللخمي ، قالا : ثنا بشر بن بكر ، أنا الأوزاعي ، عن ابن شهاب ، أنه قال : أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه ، ثم قال : " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله " قال الأوزاعي : وقالت عائشة : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب ، فوضع عليه يده ، فأذهبه الله ، عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية