الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7242 ) مسألة : قال : ( وإذا قذف الجماعة بكلمة واحدة ، فحد واحد إذا طالبوا ، أو واحد منهم ) وبهذا قال طاوس ، والشعبي ، والزهري ، والنخعي ، وقتادة ، وحماد ، ومالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وصاحباه وابن أبي ليلى ، وإسحاق . وقال الحسن ، وأبو ثور ، وابن المنذر : لكل واحد حد كامل . وعن أحمد مثل ذلك . وللشافعي قولان ، كالروايتين . ووجه هذا أنه قذف كل واحد منهم ، فلزمه له حد كامل ، كما لو قذفهم بكلمات .

                                                                                                                                            ولنا قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } . ولم يفرق بين قذف واحد أو جماعة ; ولأن الذين شهدوا على المغيرة قذفوا امرأة ، فلم يحدهم عمر إلا حدا واحدا ; ولأنه قذف واحد فلم يجب إلا حد واحد ، كما لو قذف واحدا ; ولأن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه ، وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف ، وتزول المعرة ، فوجب أن يكتفى به ، بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفا مفردا ، فإن كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في آخر ، ولا تزول المعرة عن أحد المقذوفين بحده للآخر . فإذا ثبت هذا ، فإنهم إن طلبوه جملة ، حد لهم ، وإن طلبه واحد ، أقيم الحد ; لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل ، فأيهم طالب به استوفى وسقط ، فلم يكن لغيره الطلب به ، كحق المرأة ، على أوليائها تزويجها ، إذا قام به واحد سقط عن الباقين .

                                                                                                                                            وإن أسقطه أحدهم ، فلغيره المطالبة به واستيفاؤه ; لأن المعرة عنه لم تزل بعفو صاحبه ، وليس للعافي الطلب به ; لأنه قد أسقط حقه منه . وروي عن أحمد - رحمه الله - رواية أخرى ، أنهم إن طلبوه دفعة واحدة ، فحد واحد ، وكذلك إن طلبوه واحدا بعد واحد ، إلا أنه إن لم يقم حتى طلبه الكل ، فحد واحد وإن طلبه واحد ، فأقيم له ، ثم طلبه آخر أقيم له ، وكذلك [ ص: 89 ] جميعهم ، وهذا قول عروة ; لأنهم إذا اجتمعوا على طلبه ، وقع استيفاؤه بجميعهم ، وإذا طلبه واحد منفردا كان استيفاؤه له وحده ، فلم يسقط حق الباقين بغير استيفائهم ولا إسقاطهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية