الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          645 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          لا يضم قمح إلى شعير ، ولا تمر إليهما .

                                                                                                                                                                                          وهو قول سفيان الثوري ومحمد بن الحسن ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          وقال الليث بن سعد ، وأبو يوسف : يضم كل ما أخرجت الأرض : من القمح ، والشعير والأرز ، والذرة ، والدخن ، وجميع القطاني ، بعض ذلك إلى بعض ، فإذا اجتمع من كل ذلك خمسة أوسق ففيه الزكاة كما ذكرنا ، وإلا فلا ؟ وقال مالك : القمح ، والشعير ، والسلت : صنف واحد ، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة ، فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق ففيها الزكاة ، وإلا فلا ; ويجمع الحمص ، والفول ، واللوبيا ، والعدس ، والجلبان والبسيلة ، بعضها إلى بعض .

                                                                                                                                                                                          ولا يضم إلى القمح ، ولا إلى الشعير ولا إلى السلت .

                                                                                                                                                                                          قال : وأما الأرز ، والذرة ، والسمسم ، فهي أصناف مختلفة ، لا يضم كل واحد منها إلي شيء أصلا ؟ واختلف قوله في العلس ، فمرة قال : يضم إلى القمح ، والشعير ; ومرة قال : لا يضم إلى شيء أصلا ورأى القطاني في البيوع أصنافا مختلفة ، حاشا اللوبيا ، والحمص ; فإنه رآهما في البيوع صنفا واحدا [ ص: 60 ] قال أبو محمد : أما قول مالك ; فظاهر الخطأ جملة ، لا يحتاج من إبطاله إلى أكثر من إيراده وما نعلم أحدا على ظهر الأرض قسم هذا التقسيم ، ولا جمع هذا الجمع ، ولا فرق هذا التفريق قبله ولا معه ولا بعده ، إلا من قلده ، وما له متعلق ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ، ولا من رواية فاسدة ، ولا من قول صاحب ولا تابع ، ولا من قياس ولا من رأي يعرف له وجه ، ولا من احتياط أصلا وأما من رأى جمع البر وغيره في الزكاة فيمكن أن يتعلقوا بعموم قوله عليه السلام : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولو لم يأت إلا هذا الخبر لكان هذا هو القول الذي لا يجوز غيره .

                                                                                                                                                                                          لكن قد خصه ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود هو الجحدري - ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل في البر والتمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق ، ولا يحل في الورق زكاة حتى يبلغ خمس أواقي ولا يحل في الإبل زكاة حتى تبلغ خمس ذود } .

                                                                                                                                                                                          فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة عما لم يبلغ خمسة أوسق من البر ، فبطل بهذا إيجاب الزكاة فيه على كل حال ; مجموعا إلى شعير أو غير مجموع .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وكلهم متفق على أن لا يجمع التمر إلى الزبيب ، وما نسبة أحدهما من الآخر إلا كنسبة البر من الشعير ; فلا النص اتبعوا ، ولا القياس طردوا ، ولا خلاف بين كل من يرى الزكاة في الخمسة الأوسق فصاعدا - لا في أقل - في أنه لا يجمع التمر إلى البر ، ولا إلى الشعير ؟ .

                                                                                                                                                                                          646 - مسألة : وأما أصناف القمح فيضم بعضها إلى بعض ; وكذلك تضم أصناف الشعير بعضها إلى بعض ; وكذلك أصناف التمر بعضها إلى بعض العجوة ، والبرني ، والصيحاني وسائر أصنافه . [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                                          وهذا لا خلاف فيه من أحد ; لأن اسم بر يجمع أصناف البر ; واسم تمر يجمع أصناف التمر ; واسم شعير يجمع أصناف الشعير - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          647 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ومن كانت له أرضون شتى في قرية واحدة ; أو في قرى شتى في عمل مدينة واحدة أو في أعمال شتى - ولو أن إحدى أرضيه في أقصى الصين ، والأخرى إلى أقصى الأندلس - : فإنه يضم كل قمح أصاب في جميعها بعضها إلى بعض ; وكل شعير أصابه في جميعها بعضه إلى بعض ، فيزكيه ; لأنه مخاطب بالزكاة في ذاته ، مرتبة بنص القرآن والسنن في ذمته وماله ، دون أن يخص الله تعالى ; أو رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ما كان في طسوج واحدا ، أو رستاق واحد - : مما في طسوجين ، أو رستاقين ; وتخصيص القرآن والسنة بالآراء الفاسدة : باطل مقطوع به - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية