الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7494 ) قال : ( إلا أن يكون فرسه هجينا ، فيعطى سهما له ، وسهما لفرسه ) الهجين : الذي أبوه عربي وأمه برذونة . والمقرف : الذي أبوه برذون وأمه عربية ، قالت هند بنت النعمان بن بشير :

                                                                                                                                            وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل     فإن ولدت مهرا كريما فبالحري
                                                                                                                                            وإن يك أقراف فما أنجب الفحل

                                                                                                                                            وأراد الخرقي بالهجين ها هنا ما عدا العربي ، والله أعلم . وقد حكي عن أحمد ، أنه قال الهجين البرذون .

                                                                                                                                            واختلفت الرواية عنه في سهمانها ، فقال الخلال : تواترت الروايات عن أبي عبد الله في سهام البرذون ، أنه سهم واحد . واختاره أبو بكر ، والخرقي ، وهو قول الحسن . قال الخلال : وروى عنه ثلاثة متيقظون أنه يسهم للبرذون مثل سهم العربي . واختاره الخلال ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ; لأن الله تعالى قال : { والخيل والبغال } .

                                                                                                                                            وهذه من الخيل ، ولأن الرواة رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما . وهذا عام في كل فرس ، ولأنه حيوان ذو سهم ، فاستوى فيه العربي وغيره ، كالآدمي . وحكى أبو بكر ، عن أحمد . رحمه الله ، رواية ثالثة ، أن البراذين إن أدركت إدراك العراب ، أسهم لها مثل الفرس [ ص: 202 ] العربي ، وإلا فلا . وهذا قول ابن أبي شيبة ، وابن أبي خيثمة ، وأبي أيوب ، والجوزجاني ; لأنها من الخيل ، وقد عملت عمل العراب ، فأعطيت سهما كالعربي .

                                                                                                                                            وحكى القاضي رواية رابعة أنه لا يسهم لها . وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي ; لأنه حيوان لا يعمل عمل الخيل العراب ، فأشبه البغال . ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها ; لما روى الجوزجاني ، بإسناده عن أبي موسى ، أنه كتب إلى عمر بن الخطاب : إنا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكنا ، فما ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها ؟ فكتب إليه : تلك البراذين ، فما قارب العتاق منها ، فاجعل له سهما واحدا ، وألغ ما سوى ذلك .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى سعيد بإسناده عن أبي الأقمر قال : أغارت الخيل على الشام ، فأدركت العراب من يومها ، وأدركت الكوادن ضحى الغد ، وعلى الخيل رجل من همدان ، يقال له : المنذر بن أبي حميضة ، فقال : لا أجعل الذي أدرك من يومه مثل الذي لم يدرك . ففضل الخيل ، فقال عمر : هبلت الوادعي أمه ، أمضوها على ما قال . ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول . وروى مكحول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين ، وأعطى الهجين سهما . رواه سعيد أيضا ، ولأن نفع العربي وأثره في الحرب أفضل ، فيكون سهمه أرجح ، كتفاضل من يرضخ له . وأما قولهم : إنه من الخيل . قلنا : والخيل في نفسها تتفاضل ، فتتفاضل سهمانها . وأما قولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفرس سهمين ، من غير تفريق . قلنا : هذه قضية في عين ، لا عموم لها ، فيحتمل أنه لم يكن فيها برذون ، وهو الظاهر ، فإنها من خيل العرب ، ولا براذين فيها ، ودل على صحة هذا ، أنهم لما وجدوا البراذين بالعراق ، أشكل عليهم أمرها ، وأن عمر فرض لها سهما واحدا ، وأمضى ما قال المنذر بن أبي حميضة في تفضيل العراب عليها .

                                                                                                                                            ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما ، لم يخف ذلك على عمر ، ولا خالفه ، ولو خالفه لم يسكت الصحابة عن إنكاره عليه ، سيما وابنه هو راوي الخبر ، فكيف يخفى ذلك عليه ، ويحتمل أنه فضل العراب أيضا ، فلم يذكره الراوي ، لغلبة العراب ، وقلة البراذين ، ويدل على صحة هذا التأويل ، خبر مكحول الذي رويناه ، وقياسها على الآدمي لا يصح ; لأن العربي منهم لا أثر له في الحرب زيادة على غيره بخلاف العربي من الخيل على غيره . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية