الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7502 ) قال : ( ويرضخ للمرأة والعبد ) معناه أنهم يعطون شيئا من الغنيمة دون السهم ، ولا يسهم لهم سهم كامل ، ولا تقدير لما يعطونه ، بل ذلك إلى اجتهاد الإمام ، فإن رأى التسوية بينهم سوى بينهم ، وإن رأى التفضيل فضل . وهذا قول أكثر أهل العلم ; منهم سعيد بن المسيب ، ومالك ، والثوري ، والليث ، والشافعي ، وإسحاق ، وروي ذلك عن ابن عباس وقال أبو ثور : يسهم للعبد .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والنخعي ; لما [ ص: 205 ] روي عن الأسود بن يزيد ، أنه شهد فتح القادسية عبيد ، فضرب لهم سهامهم . ولأن حرمة العبد في الدين كحرمة الحر ، وفيه من الغناء مثل ما فيه فوجب أن يسهم له ، كالحر .

                                                                                                                                            وحكي عن الأوزاعي : ليس للعبيد سهم ولا رضخ ، إلا أن يجيئوا بغنيمة ، أو يكون لهم غناء ، فيرضخ لهم . قال : ويسهم للمرأة ; لما روى جرير بن زياد ، عن جدته ، أنها حضرت فتح خيبر ، قالت : فأسهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسهم للرجال . وأسهم أبو موسى في غزوة تستر لنسوة معه . وقال أبو بكر بن أبي مريم : أسهمن النساء يوم اليرموك . وروى سعيد ، بإسناده عن ابن شبل ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين بسهم ، فقال رجل من القوم : أعطيت سهلة مثل سهمي } .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي عن ابن عباس ، أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ، فيداوين الجرحى ، ويحذين من الغنيمة ، وأما سهم ، فلم يضرب لهن } رواه مسلم . وروى سعيد عن يزيد بن هارون ، أن نجدة كتب إلى ابن عباس ، يسأله عن المرأة والمملوك يحضران الفتح ، ألهما من المغنم شيء ؟ قال يحذيان ، وليس لهما شيء . وفي رواية قال : ليس لهما سهم ، وقد يرضخ لهما . وعن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي ، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أني مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع . رواه أبو داود . واحتج به أحمد ، ولأنهما ليسا من أهل القتال ، فلم يسهم لهما ، كالصبي . قالت عائشة : يا رسول الله ، هل على النساء جهاد ؟ قال : " نعم ، جهاد لا قتال فيه ; الحج ، والعمرة " . وقال عمر بن أبي ربيعة :

                                                                                                                                            كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول

                                                                                                                                            ولأن المرأة ضعيفة ، يستولي عليها الخور ، فلا تصلح للقتال ، ولهذا لم تقتل إذا كانت حربية . فأما ما روي في إسهام النساء ، فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، بدليل أن في حديث حشرج ، أنه جعل لهن نصيبا تمرا .

                                                                                                                                            ولو كان سهما ، ما اختص التمر ، ولأن خيبر قسمت على أهل الحديبية ، نفر معدودين في غير حديثها ، ولم يذكرن منهم . ويحتمل أنه أسهم لهن مثل سهام الرجال من التمر خاصة ، أو من المتاع دون الأرض . وأما حديث سهلة ، فإن في الحديث أنها ولدت ، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لها ولولدها ، فبلغ رضخهما سهم رجل ، ولذلك عجب الرجل الذي قال : أعطيت سهلة مثل سهمي .

                                                                                                                                            ولو كان هذا مشهورا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما عجب منه .

                                                                                                                                            ( 7503 ) فصل : والمدبر ، والمكاتب ، كالقن ; لأنهم عبيد . فإن عتق منهم قبل انقضاء الحرب أسهم لهم . وكذلك إن قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب ، وهو يخرج من الثلث ، عتق ، وأسهم له .

                                                                                                                                            وأما من بعضه حر ، فقال أبو بكر : يرضخ له بقدر ما فيه من الرق ، ويسهم له بقدر ما فيه من الحرية ; فإذا كان نصفه حرا ، أعطي نصف سهم ، ورضخ له نصف الرضخ ; لأن هذا مما يمكن تبعيضه ، يقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق والميراث . وظاهر كلام أحمد ، أنه يرضخ له ; لأنه ليس من أهل وجوب القتال ، فأشبه الرقيق .

                                                                                                                                            ( 7504 ) فصل : والخنثى المشكل يرضخ له ; لأنه لم يثبت أنه رجل يقسم له ، ولأنه ليس من أهل وجوب [ ص: 206 ] الجهاد ، فأشبه المرأة ، ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف الرضخ كالميراث .

                                                                                                                                            فإن انكشف حاله ، فتبين أنه رجل ، أتم له سهم رجل ، سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعده ، أو قبل القسمة أو بعدها ; لأننا تبينا أنه كان مستحقا للسهم ، وأنه أعطي دون حقه ، فأشبه ما لو أعطي بعض الرجال دون حقه غلطا .

                                                                                                                                            ( 7505 ) فصل : والصبي يرضخ ، ولا يسهم له . وبه قال الثوري ، والليث ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور . وعن القاسم ، وسالم ، في الصبي يغزو به ، ليس له شيء . وقال مالك : يسهم له إذا قاتل ، وأطاق ذلك ، ومثله قد بلغ القتال ; لأنه حر ذكر مقاتل ، فيسهم له كالرجل . وقال الأوزاعي : يسهم له . وقال : أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر ، وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب

                                                                                                                                            . وروى الجوزجاني ، بإسناده عن الوضين بن عطاء ، قال : حدثتني جدتي ، قالت : كنت مع حبيب بن مسلمة ، وكان يسهم لأمهات الأولاد ، لما في بطونهن .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي عن سعيد بن المسيب ، قال : كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو ، في صدر هذه الأمة

                                                                                                                                            . وروى الجوزجاني ، بإسناده ، أن تميم بن قرع المهدي ، كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية ، في المرة الآخرة ، قال : فلم يقسم لي عمرو من الفيء شيئا ، وقال : غلام لم يحتلم . حتى كاد يكون بين قومي وبين أناس من قريش في ذلك ثائرة ، فقال بعض القوم : فيكم أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوهم . فسألوا أبا نضرة الغفاري ، وعقبة بن عامر ، فقالا : انظروا ، فإن كان قد أشعر ، فاقسموا له ، فنظر إلي بعض القوم ، فإذا أنا قد أنبت ، فقسم لي .

                                                                                                                                            قال الجوزجاني هذا من مشاهير حديث مصر وجيده . ولأنه ليس من أهل القتال ، فلم يسهم له كالعبد ، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لصبي ، بل كان لا يجيزهم في القتال ، فإن ابن عمر قال : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني في القتال ، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة ، فأجازني ، وما ذكروه يحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما ، بدليل ما ذكرناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية