الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الوتر سنة مؤكدة وأنه جائز على الراحلة

                                                                                                                                            913 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من لم يوتر فليس منا } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            914 - ( وعن علي رضي الله عنه قال : { الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه ولفظه : إن الوتر ليس بحتم ، ولا كصلاتكم المكتوبة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر فقال : يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر ) } . [ ص: 38 ]

                                                                                                                                            915 - ( وعن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره . } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            916 - ( وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الوتر حق ، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل } . رواه الخمسة إلا الترمذي .

                                                                                                                                            وفي لفظ لأبي داود : { الوتر حق على كل مسلم } . ورواه ابن المنذر وقال فيه : { الوتر حق وليس بواجب } ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن أبي شيبة ، وفي إسناده الخليل بن مرة قال فيه أبو زرعة : شيخ صالح ، وضعفه أبو حاتم والبخاري . وأما حديث علي فحسنه الترمذي وصححه الحاكم . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الجماعة كما ذكره المصنف . وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وله ألفاظ . وصحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه . قال الحافظ : وهو الصواب .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي هريرة غير حديثه المذكور في الباب عند البيهقي في الخلافيات بلفظ : { إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن } .

                                                                                                                                            وعن ابن عمرو عند ابن أبي شيبة وأحمد بلفظ { وزادكم صلاة حافظوا عليها وهي الوتر } وفي إسناده ضعيفان

                                                                                                                                            وعن بريدة عند أبي داود بلفظ { الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا } ورواه الحاكم في المستدرك ولم يكرر لفظه . وقال : هذا حديث صحيح

                                                                                                                                            وعن أبي بصرة عند أحمد بلفظ { إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى الفجر } ورواه الطبراني بلفظ " فحافظوا عليها "

                                                                                                                                            وعن سليمان بن صرد عند الطبراني في الأوسط بلفظ { وأوتروا فالله وتر يحب الوتر } . وعن ابن عباس عند البزار بلفظ { إن الله قد أمركم بصلاة وهي الوتر } . وعن ابن عمر عند البيهقي بلفظ { إن الله زادكم صلاة وهي الوتر } وفي إسناده مقال . وعن ابن مسعود عند البزار بلفظ : { الوتر واجب على كل مسلم } .

                                                                                                                                            وفي إسناده جابر الجعفي ، وقد ضعفه الجمهور ، ووثقه الثوري ، وله حديث آخر عند أبي داود وابن ماجه بلفظ حديث أبي هريرة الذي ذكرناه . وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البيهقي بلفظ حديث أبي بصرة المتقدم ، وفي إسناده أحمد بن مصعب وهو ضعيف . وعن علي عند أهل السنن بنحو حديث أبي هريرة الذي ذكرناه

                                                                                                                                            وعن عقبة بن عامر [ ص: 39 ] وعمرو بن العاص عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحو حديث أبي بصرة . وعن معاذ عند أحمد بنحو حديث أبي بصرة أيضا وعن ابن مسعود حديث آخر عند الطبراني في الصغير بلفظ { الوتر على أهل القرآن } وعن ابن عباس حديث آخر عند أحمد والطبراني والدارقطني والبيهقي بلفظ : { ثلاث علي فرائض وهي لكم تطوع : النحر ، والوتر ، وركعتا الفجر } وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك شاهدا على أن الوتر ليس بحتم ، وسكت عليه . وقال البيهقي في روايته : ركعتا الضحى ، بدل ركعتي الفجر . وعن أنس عند الدارقطني بلفظ : " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم علي } وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو ضعيف

                                                                                                                                            وعن جابر عند المروزي بلفظ " إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر " وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط بلفظ { ثلاث هن علي فريضة ، وهن لكم سنة : الوتر ، والسواك ، وقيام الليل } . واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله : " فليس منا " ، وقوله : " الوتر حق " وقوله : " أوتروا وحافظوا " . وقوله : " الوتر واجب " .

                                                                                                                                            وفيها ما يدل على عدم الوجوب وهو بقية أحاديث الباب ، فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب

                                                                                                                                            ، وأما حديث " الوتر واجب " فلو كان صحيحا لكان مشكلا لما عرفناك في باب غسل يوم الجمعة من أن التصريح بالوجوب لا يصح أن يقال : إنه مصروف إلى غيره ، بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب . وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة ، وخالفهم أبو حنيفة فقال : إنه واجب ، وروي عنه أنه فرض ، وتمسك بما عرفت من الأدلة الدالة على الوجوب ، وأجاب عليه الجمهور بما تقدم

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : ولا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا ، وأورد المصنف في الباب حديث ابن عمر { أنه صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره } للاستدلال به على عدم الوجوب ، لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة ، وكذلك إيراده حديث أبي أيوب للاستدلال بما فيه من التخيير على عدم الوجوب ، وهو إنما يدل على عدم وجوب أحدها على التعيين لا على عدم الوجوب مطلقا . ويمكن أنه أورده للاستدلال به على الوجوب لقوله فيه : حق

                                                                                                                                            ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ، الحديث ، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خمس صلوات في اليوم والليلة ، قال : هل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع }

                                                                                                                                            وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن ، الحديث ، وفيه : " فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة " وهذا من أحسن ما يستدل به ، لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير . وأجاب الجمهور أيضا عن أحاديث الباب المشعرة بالوجوب [ ص: 40 ] بأن أكثرها ضعيف ، وهو حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وبريدة وسليمان بن صرد وابن عباس وابن عمرو وابن مسعود وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل ، كذا قال العراقي . ، وبقيتها لا يثبت بها المطلوب لا سيما مع قيام ما أسلفناه من الأدلة الدالة على عدم الوجوب .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية