الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نفس

                                                          نفس : النفس : الروح ، قال ابن سيده : وبينهما فرق ليس من غرض هذا الكتاب ، قال أبو إسحاق : النفس في كلام العرب يجري على ضربين : أحدهما قولك خرجت نفس فلان أي روحه ، وفي نفس فلان أن يفعل كذا وكذا أي في روعه ، والضرب الآخر معنى النفس فيه معنى جملة الشيء وحقيقته ، تقول : قتل فلان نفسه وأهلك نفسه أي أوقع الإهلاك بذاته كلها وحقيقته ، والجمع من كل ذلك أنفس ونفوس ، قال أبو خراش في معنى النفس الروح :


                                                          نجا سالم والنفس منه بشدقه [ ص: 320 ] ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

                                                          قال ابن بري : الشعر لحذيفة بن أنس الهذلي وليس لأبي خراش كما زعم الجوهري ، وقوله نجا سالم ولم ينج كقولهم أفلت فلان ولم يفلت إذا لم تعد سلامته سلامة ، والمعنى فيه لم ينج سالم إلا بجفن سيفه ومئزره وانتصاب الجفن على الاستثناء المنقطع أي لم ينج سالم إلا جفن سيف ، وجفن السيف منقطع منه ، والنفس هاهنا الروح كما ذكر ، ومنه قولهم : فاظت نفسه ، وقال الشاعر :


                                                          كادت النفس أن تفيظ عليه     إذا ثوى حشو ريطة وبرود

                                                          قال ابن خالويه : النفس الروح ، والنفس ما يكون به التمييز ، والنفس الدم ، والنفس الأخ ، والنفس بمعنى عند ، والنفس قدر دبغة . قال ابن بري : أما النفس الروح والنفس ما يكون به التمييز فشاهدهما قوله سبحانه : الله يتوفى الأنفس حين موتها فالنفس الأولى هي التي تزول بزوال الحياة ، والنفس الثانية التي تزول بزوال العقل ، وأما النفس الدم فشاهده قول السموأل :


                                                          تسيل على حد الظبات نفوسنا     وليست على غير الظبات تسيل

                                                          وإنما سمي الدم نفسا لأن النفس تخرج بخروجه ، وأما النفس بمعنى الأخ فشاهده قوله سبحانه : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم وأما التي بمعنى عند فشاهده قوله تعالى حكاية عن عيسى على نبينا محمد وعليه الصلاة والسلام : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أي تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك والأجود في ذلك قول ابن الأنباري : إن النفس هنا الغيب أي تعلم غيبي لأن النفس لما كانت غائبة أوقعت على الغيب ويشهد بصحة قوله في آخر الآية قوله : إنك أنت علام الغيوب كأنه قال : تعلم غيبي يا علام الغيوب . والعرب قد تجعل النفس التي يكون بها التمييز نفسين ، وذلك أن النفس قد تأمره بالشيء وتنهى عنه ، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه ، فجعلوا التي تأمره نفسا وجعلوا التي تنهاه كأنها نفس أخرى ، وعلى ذلك قول الشاعر :


                                                          يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة     أيسترجع الذؤبان أم لا يطورها

                                                          وأنشد الطوسي :


                                                          لم تدر ما لا ولست قائلها     عمرك ما عشت آخر الأبد
                                                          ولم تؤامر نفسيك ممتريا     فيها وفي أختها ولم تكد

                                                          وقال آخر :


                                                          فنفساي نفس قالت ائت ابن بحدل     تجد فرجا من كل غمى تهابها
                                                          ونفس تقول اجهد نجاءك ولا تكن     كخاضبة لم يغن عنها خضابها

                                                          والنفس يعبر بها عن الإنسان جميعه كقولهم : عندي ثلاثة أنفس . وكقوله تعالى : أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله قال ابن سيده : وقوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أي تعلم ما أضمر ولا أعلم ما في نفسك أي لا أعلم ما حقيقتك ولا ما عندك علمه ، فالتأويل تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم . وقوله تعالى : ويحذركم الله نفسه أي يحذركم إياه ، وقوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها روي عن ابن عباس أنه قال : لكل إنسان نفسان : إحداهما نفس العقل الذي يكون به التمييز ، والأخرى نفس الروح الذي به الحياة . وقال أبو بكر بن الأنباري : من اللغويين من سوى النفس والروح ، وقال هما شيء واحد إلا أن النفس مؤنثة ، والروح مذكر ، قال : وقال غيره : الروح هو الذي به الحياة والنفس هي التي بها العقل ، فإذا نام النائم قبض الله نفسه ولم يقبض روحه ، ولا يقبض الروح إلا عند الموت ، قال : وسميت النفس نفسا لتولد النفس منها واتصاله بها ، كما سموا الروح روحا لأن الروح موجود به ، وقال الزجاج : لكل إنسان نفسان : إحداهما نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل بها يتوفاها الله كما قال الله تعالى ، والأخرى نفس الحياة وإذا زالت زال معها النفس ، والنائم يتنفس ، قال : وهذا الفرق بين توفي نفس النائم في النوم ، وتوفي نفس الحي ، قال : ونفس الحياة هي الروح وحركة الإنسان ونموه يكون به والنفس الدم ، وفي الحديث : ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه ، وروي عن النخعي أنه قال : كل شيء له نفس سائلة فمات في الإناء فإنه ينجسه ، أراد كل شيء له دم سائل ، وفي النهاية عنه : كل شيء ليست له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا سقط فيه أي دم سائل . والنفس : الجسد ، قال أوس بن حجر يحرض عمرو بن هند على بني حنيفة وهم قتلة أبيه المنذر بن ماء السماء يوم عين أباغ ويزعم أن عمرو بن شمر الحنفي قتله :


                                                          نبئت أن بني سحيم أدخلوا     أبياتهم تامور نفس المنذر
                                                          فلبئس ما كسب ابن عمرو رهطه     شمر وكان بمسمع وبمنظر

                                                          والتامور : الدم ، أي حملوا دمه إلى أبياتهم ، ويروى بدل رهطه قومه ونفسه . اللحياني : العرب تقول رأيت نفسا واحدة فتؤنث ، وكذلك رأيت نفسين فإذا قالوا رأيت ثلاثة أنفس وأربعة أنفس ذكروا ، وكذلك جميع العدد ، قال : وقد يجوز التذكير في الواحدة والاثنين والتأنيث في الجمع ، قال : حكي جميع ذلك عن الكسائي ، وقال سيبويه : وقالوا ثلاثة أنفس يذكرونه لأن النفس عندهم إنسان فهم يريدون به الإنسان ، ألا ترى أنهم يقولون نفس واحد فلا يدخلون الهاء ؟ قال : وزعم يونس عن رؤبة أنه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس ، كما تقول : ثلاث أعين للعين من الناس ، وكما قالوا : ثلاث أشخص في النساء ، وقال الحطيئة :


                                                          ثلاثة أنفس وثلاث ذود     لقد جار الزمان على عيالي

                                                          وقوله تعالى : الذي خلقكم من نفس واحدة يعني آدم - عليه السلام - وزوجها يعني حواء . ويقال : ما رأيت ثم نفسا أي ما رأيت [ ص: 321 ] أحدا . وقوله في الحديث : بعثت في نفس الساعة . أي بعثت وقد حان قيامها وقرب إلا أن الله أخرها قليلا فبعثني في ذلك النفس وأطلق النفس على القرب ، وقيل : معناه أنه جعل للساعة نفسا كنفس الإنسان ، أراد : إني بعثت في وقت قريب منها أحس فيه بنفسها كما يحس بنفس الإنسان إذا قرب منه يعني بعثت في وقت بانت أشراطها فيه وظهرت علاماتها ويروى : في نسم الساعة ، وسيأتي ذكره . والمتنفس : ذو النفس . ونفس الشيء : ذاته ، ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم نزلت بنفس الجبل ، ونفس الجبل مقابلي ، ونفس الشيء عينه يؤكد به . يقال : رأيت فلانا نفسه ، وجاءني بنفسه ، ورجل ذو نفس أي خلق وجلد ، وثوب ذو نفس أي أكل وقوة . والنفس : العين . والنافس : العائن . والمنفوس : المعيون . والنفوس : العيون الحسود المتعين لأموال الناس ليصيبها ، وما أنفسه أي ما أشد عينه ، هذه عن اللحياني . ويقال : أصابت فلانا نفس ، ونفستك بنفس : إذا أصبته بعين . وفي الحديث : نهى عن الرقية إلا في النملة والحمة والنفس ، النفس : العين ، هو حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنس . ومنه الحديث : أنه مسح بطن رافع فألقى شحمة خضراء ، فقال إنه كان فيها أنفس سبعة ، يريد عيونهم ، ومنه حديث ابن عباس : الكلاب من الجن فإن غشيتكم عند طعامكم فألقوا لهن ، فإن لهن أنفسا أي أعينا . ويقال : نفس عليك فلان ينفس نفسا ونفاسة أي حسدك . ابن الأعرابي : النفس : العظمة والكبر ، والنفس : العزة ، والنفس : الهمة ، والنفس : عين الشيء وكنهه وجوهره ، والنفس : الأنفة ، والنفس : العين التي تصيب المعين . والنفس : الفرج من الكرب . وفي الحديث : لا تسبوا الريح ، فإنها من نفس الرحمن ، يريد أنه بها يفرج الكرب وينشئ السحاب وينشر الغيث ويذهب الجدب ، وقيل : معناه أي مما يوسع بها على الناس ، وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أجد نفس ربكم من قبل اليمن ، وفي رواية : أجد نفس الرحمن ؛ يقال : إنه عنى بذلك الأنصار ؛ لأن الله - عز وجل - نفس الكرب عن المؤمنين بهم وهم يمانون ؛ لأنهم من الأزد ، ونصرهم بهم وأيدهم برجالهم وهو مستعار من نفس الهواء الذي يرده التنفس إلى الجوف فيبرد من حرارته ويعدلها ، أو من نفس الريح الذي يتنسمه فيستروح إليه ، أو من نفس الروضة وهو طيب روائحها فينفرج به عنه ، وقيل : النفس في هذين الحديثين اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من نفس ينفس تنفيسا ونفسا ، كما يقال فرج يفرج تفريجا وفرجا ، كأنه قال : أجد تنفيس ربكم من قبل اليمن ، وإن الريح من تنفيس الرحمن بها عن المكروبين ، والتفريج مصدر حقيقي ، والفرج اسم يوضع موضع المصدر ، وكذلك قوله : الريح من نفس الرحمن أي من تنفيس الله بها عن المكروبين وتفريجه عن الملهوفين . قال العتبي : هجمت على واد خصيب وأهله مصفرة ألوانهم فسألتهم عن ذلك فقال شيخ منهم : ليس لنا ريح . والنفس : خروج الريح من الأنف والفم والجمع أنفاس . وكل تروح بين شربتين نفس . والتنفس : استمداد النفس وقد تنفس الرجل وتنفس الصعداء وكل ذي رئة متنفس ، ودواب الماء لا رئات لها . والنفس أيضا : الجرعة ، يقال : أكرع في الإناء نفسا أو نفسين أي جرعة أو جرعتين ولا تزد عليه ، والجمع أنفاس ، مثل سبب وأسباب ؛ قال جرير :


                                                          تعلل وهي ساغبة بنيها     بأنفاس من الشبم القراح



                                                          وفي الحديث : نهى عن التنفس في الإناء ، وفي حديث آخر : أنه كان يتنفس في الإناء ثلاثا ، يعني في الشرب ، قال الأزهري : قال بعضهم : الحديثان صحيحان . والتنفس له معنيان : أحدهما أن يشرب وهو يتنفس في الإناء من غير أن يبينه عن فيه وهو مكروه ، والنفس الآخر أن يشرب الماء وغيره من الإناء بثلاثة أنفاس يبين فاه عن الإناء في كل نفس ، ويقال : شراب غير ذي نفس : إذا كان كريه الطعم آجنا ، إذا ذاقه ذائق لم يتنفس فيه ، وإنما هي الشربة الأولى قدر ما يمسك رمقه ثم لا يعود له ؛ وقال أبو وجزة السعدي :


                                                          وشربة من شراب غير ذي نفس     في صرة من نجوم القيظ وهاج



                                                          ابن الأعرابي : شراب ذو نفس أي فيه سعة وري ، قال محمد بن المكرم : قوله : النفس : الجرعة ، وأكرع في الإناء نفسا أو نفسين ، أي جرعة أو جرعتين ولا تزد عليه ، فيه نظر وذلك أن النفس الواحد يجرع الإنسان فيه عدة جرع ، يزيد وينقص على مقدار طول نفس الشارب وقصره ، حتى إنا نرى الإنسان يشرب الإناء الكبير في نفس واحد على عدة جرع . ويقال : فلان شرب الإناء كله على نفس واحد ، والله أعلم . ويقال : اللهم نفس عني أي فرج عني ووسع علي ، ونفست عنه تنفيسا أي رفهت . يقال : نفس الله عنه كربته أي فرجها . وفي الحديث : من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة . معناه من فرج عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة . ويقال : أنت في نفس من أمرك أي سعة ، واعمل وأنت في نفس من أمرك أي فسحة وسعة قبل الهرم والأمراض والحوادث والآفات . والنفس : مثل النسيم والجمع أنفاس . ودارك أنفس من داري أي أوسع . وهذا الثوب أنفس من هذا أي أعرض وأطول وأمثل . وهذا المكان أنفس من هذا أي أبعد وأوسع . وفي الحديث : ثم يمشي أنفس منه أي أفسح وأبعد قليلا . ويقال : هذا المنزل أنفس المنزلين أي أبعدهما ، وهذا الثوب أنفس الثوبين أي أطولهما أو أمثلهما . ونفس عنك الله أي فرج ووسع . وفي الحديث : من نفس عن غريمه أي أخر مطالبته . وفي حديث عمار : لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست أي أطلت ، وأصله أن المتكلم إذا تنفس استأنف القول وسهلت عليه الإطالة . وتنفست دجلة : إذا زاد ماؤها . وقال اللحياني : إن في الماء نفسا لي ولك أي متسعا وفضلا ، وقال ابن الأعرابي : أي ريا ؛ وأنشد :


                                                          وشربة من شراب غير ذي نفس     في كوكب من نجوم القيظ وضاح



                                                          أي في وقت كوكب . وزدني نفسا في أجلي أي طول الأجل ؛ عن [ ص: 322 ] اللحياني . ويقال : بين الفريقين نفس أي متسع . ويقال : لك في هذا الأمر نفسة أي مهلة . وتنفس الصبح أي تبلج وامتد حتى يصير نهارا بينا . وتنفس النهار وغيره : امتد وطال . ويقال للنهار إذا زاد : تنفس ، وكذلك الموج إذا نضح الماء . وقال اللحياني : تنفس النهار : انتصف ، وتنفس أيضا : بعد ، وتنفس العمر منه إما تراخى وتباعد وإما اتسع ؛ أنشد ثعلب :


                                                          ومحسبة قد أخطأ الحق غيرها     تنفس عنها جنبها فهي كالشوا



                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : والصبح إذا تنفس قال : إذا ارتفع النهار حتى يصير نهارا بينا فهو تنفس الصبح . وقال مجاهد : ( إذا تنفس ) إذا طلع ، وقال الأخفش : إذا أضاء ، وقال غيره : إذا تنفس : إذا انشق الفجر وانفلق حتى يتبين منه . ويقال : كتبت كتابا نفسا أي طويلا ؛ وقول الشاعر :


                                                          عيني جودا عبرة أنفاسا

                                                          أي ساعة بعد ساعة . ونفس الساعة : آخر الزمان عن كراع . وشيء نفيس أي يتنافس فيه ويرغب . ونفس الشيء ، بالضم ، نفاسة ، فهو نفيس ونافس : رفع وصار مرغوبا فيه ، وكذلك رجل نافس ونفيس ، والجمع نفاس . وأنفس الشيء : صار نفيسا . وهذا أنفس مالي أي أحبه وأكرمه عندي . وقال اللحياني : النفيس والمنفس المال الذي له قدر وخطر ، ثم عم فقال : كل شيء له خطر وقدر فهو نفيس ومنفس ؛ قال النمر بن تولب :


                                                          لا تجزعي إن منفسا أهلكته     فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي



                                                          وقد أنفس المال إنفاسا ونفس نفوسا ونفاسة . ويقال : إن الذي ذكرت لمنفوس فيه أي مرغوب فيه . وأنفسني فيه ونفسني : رغبني فيه ، الأخيرة عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد :


                                                          بأحسن منه يوم أصبح غاديا     ونفسني فيه الحمام المعجل



                                                          أي رغبني فيه . وأمر منفوس فيه : مرغوب . ونفست عليه الشيء أنفسه نفاسة : إذا ضننت به ولم تحب أن يصل إليه . ونفس عليه بالشيء نفسا ، بتحريك الفاء ، ونفاسة ونفاسية ، الأخيرة نادرة : ضن . ومال نفيس : مضنون به . ونفس عليه بالشيء ، بالكسر : ضن به ولم يره يستأهله ، وكذلك نفسه عليه ونافسه فيه ؛ وأما قول الشاعر :


                                                          وإن قريشا مهلك من أطاعها     تنافس دنيا قد أحم انصرامها



                                                          فإما أن يكون أراد تنافس في دنيا ، وإما أن يريد تنافس أهل دنيا . ونفست علي بخير قليل أي حسدت . وتنافسنا ذلك الأمر وتنافسنا فيه : تحاسدنا وتسابقنا . وفي التنزيل العزيز : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي وفي ذلك فليتراغب المتراغبون . وفي حديث المغيرة : سقيم النفاس أي أسقمته المنافسة والمغالبة على الشيء . وفي حديث إسماعيل - عليه السلام - : أنه تعلم العربية وأنفسهم أي أعجبهم وصار عندهم نفيسا . ونافست في الشيء منافسة ونفاسا : إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم . وتنافسوا فيه أي رغبوا . وفي الحديث : أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ؛ هو من المنافسة ، الرغبة في الشيء والانفراد به ، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه . ونفست بالشيء ، بالكسر ، أي بخلت . وفي حديث علي كرم الله وجهه : لقد نلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما نفسناه عليك . وحديث السقيفة : لم ننفس عليك أي لم نبخل . والنفاس : ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء . والنفس : الدم . ونفست المرأة ونفست ، بالكسر ، نفسا ونفاسة ونفاسا وهي نفساء ونفساء ونفساء : ولدت . وقال ثعلب : النفساء الوالدة والحامل والحائض والجمع من كل ذلك نفساوات ونفاس ونفاس ونفس ؛ عن اللحياني ، ونفس ونفاس ، قال الجوهري : وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء ، ويجمع أيضا على نفساوات وعشراوات وامرأتان نفساوان ، أبدلوا من همزة التأنيث واوا . وفي الحديث : أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر أي وضعت ، ومنه الحديث : فلما تعلت من نفاسها أي خرجت من أيام ولادتها . وحكى ثعلب : نفست ولدا على فعل المفعول . وورث فلان هذا المال في بطن أمه قبل أن ينفس أي يولد . الجوهري : وقولهم ورث فلان هذا المال قبل أن ينفس فلان أي قبل أن يولد ؛ قال أوس بن حجر يصف محاربة قومه لبني عامر بن صعصعة :


                                                          وإنا وإخواننا عامرا     على مثل ما بيننا نأتمر
                                                          لنا صرخة ثم إسكاتة     كما طرقت بنفاس بكر



                                                          أي بولد . وقوله ( لنا صرخة ) أي اهتياجة يتبعها سكون كما يكون للنفساء إذا طرقت بولدها ، والتطريق أن يعسر خروج الولد فتصرخ لذلك ، ثم تسكن حركة المولود فتسكن هي أيضا ، وخص تطريق البكر لأن ولادة البكر أشد من ولادة الثيب . وقوله : على مثل ما بيننا نأتمر ، أي نمتثل ما تأمرنا به أنفسنا من الإيقاع بهم والفتك فيهم على ما بيننا وبينهم من قرابة ؛ وقول امرئ القيس :


                                                          ويعدو على المرء ما يأتمر



                                                          أي قد يعدو عليه امتثاله ما أمرته به نفسه ، وربما كان داعيه للهلاك . والمنفوس : المولود . وفي الحديث : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار . وفي رواية : إلا كتب رزقها وأجلها ، منفوسة أي مولودة . قال : يقال : نفست ونفست فأما الحيض فلا يقال فيه إلا نفست بالفتح . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - أنه أجبر بني عم على منفوس ، أي ألزمهم إرضاعه وتربيته . وفي حديث أبي هريرة : أنه صلى على منفوس ، أي طفل حين ولد ، والمراد أنه صلى عليه ولم يعمل ذنبا . وفي حديث ابن المسيب : لا يرث المنفوس حتى يستهل صارخا ، أي حتى يسمع له صوت . وقالت أم سلمة : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفراش فحضت فخرجت وشددت علي ثيابي ثم رجعت ، فقال : أنفست ؟أراد أحضت ؟ يقال : نفست المرأة تنفس ، بالفتح : إذا حاضت . ويقال : لفلان منفس ونفيس أي مال كثير . يقال : ما سرني بهذا الأمر منفس ونفيس . وفي حديث عمر [ ص: 323 ] رضي الله عنه : كنا عنده فتنفس رجل أي خرج من تحته ريح ، شبه خروج الريح من الدبر بخروج النفس من الفم . وتنفست القوس : تصدعت ، ونفسها هو : صدعها ؛ عن كراع ، وإنما يتنفس منها العيدان التي لم تفلق وهو خير القسي ، وأما الفلقة فلا تنفس . ابن شميل : يقال نفس فلان قوسه : إذا حط وترها ، وتنفس القدح والقوس كذلك . قال ابن سيده : وأرى اللحياني : قال : إن النفس الشق في القوس والقدح وما أشبههما ، قال : ولست منه على ثقة . والنفس من الدباغ : قدر دبغة أو دبغتين مما يدبغ به الأديم من القرظ وغيره . يقال : هب لي نفسا من دباغ ؛ قال الشاعر :


                                                          أتجعل النفس التي تدير     في جلد شاة ثم لا تسير



                                                          قال الأصمعي : بعثت امرأة من العرب بنية لها إلى جارتها فقالت : تقول لك أمي أعطيني نفسا أو نفسين أمعس بها منيئتي فإني أفدة ( أي مستعجلة ) لا أتفرغ لاتخاذ الدباغ من السرعة ، أرادت قدر دبغة أو دبغتين من القرظ الذي يدبغ به . المنيئة : المدبغة وهي الجلود التي تجعل في الدباغ ، وقيل : النفس من الدباغ ملء الكف ، والجمع أنفس ؛ أنشد ثعلب :


                                                          وذي أنفس شتى ثلاث رمت به     على الماء إحدى اليعملات العرامس



                                                          يعني الوطب من اللبن الذي دبغ بهذا القدر من الدباغ . والنافس : الخامس من قداح الميسر ، قال اللحياني : وفيه خمسة فروض وله غنم خمسة أنصباء إن فاز ، وعليه غرم خمسة أنصباء إن لم يفز ، ويقال هو الرابع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية