الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نذرت صلاة عشر ركعات إذا شفيت من الاستحاضة فهل يلزمها التكرار

السؤال

أرجو منكم الإجابة، لأنني تعبت: فمنذ 8 سنوات مررت بأزمة نفسية صعبة ووسوسة في الوضوء والصلاة والغسل ودائما أشك: هل غسلت ذلك العضو أم لا؟ وأثر ذلك الأمر على العادة الشهرية عندي مما زاد الطين بلة، حيث أصبحت أجد ـ بصفة متواصلة ـ دما أصفر أو بنيا واستمر هذا الدم 3 أشهر ـ تقريبا ـ عانيت فيها ودعوت الله أن يشفيني و قمت ـ وقتها ـ بنذر إن شفيت أن أصلي 10ركعات نافلة ـ والحمد لله ـ شفيت وصليت تلك الركعات وكنت قد سألت عما أفعل في الصلاة والصيام، حيث كان شهر رمضان في تلك الفترة وعلمت أن أقصى فترة الحيض 15يوما وما زاد عن ذلك يعد استحاضة ولا تترك فيها العبادات، ووجدت في البخاري حديث الصحابيات: كنا لا نعد الكدرة والصفرة في غير أيام الحيض شيئا.
وبعدها دخلت في دوامة من الوسواس القهري في النذور على مدار الساعة ونفسي تتساءل: هل نذرت كذا أو كذا؟ وعشت أشهرا مع هذا الوسواس اللعين ثم علمت أن النذر لا ينعقد بمجرد التفكير فيه، بل يجب التلفظ به أو كتابته، فخرجنا من هذا المأزق، ولكنني شككت في تلك الفترة في النذر الذي قمت به للاستحاضة: فهل يجب علي إن عادت إلي الإستحاضة ـ بما أنه نذر يسير ـ أن أوفي به كلما عادت لي الاستحاضة وشفيت منها؟ ورضيت بذلك، ومشكلتي الآن أنني لا أعرف متى يجب علي أن أفي بهذا النذر؟ وعلى غالب ظني أنني قصدت بالاستحاضة أن يتجاوز الدم 15يوما، ولكن قد ينزل من المرأة دم عارض لحكة أو لجرح أو بعد الجماع ويسمى استحاضة، فهل يجب علي أن أصلي 10ركعات كلما رأيت دما خارج أيام الحيض؟ أم كلما تجاوز الدم15يوما ثم شفيت منه؟ وعندي ميل كبير أنني قصدت في النذر بالاستحاضة تجاوز نزول الدم 15يوما، لكنني لا أستطيع أن أجزم بذلك نظرا لشخصيتي الوسواسية وبعد مرور 8 سنوات ـ تقريبا ـ فلا أعرف ماذا أفعل؟ وأنا في حيرة من أمري لا أريد أن ألقى الله وفي ذمتي دين، وفي نفس الوقت تعبت من التساؤل وأخشى أن تكون حيرتي هذه الأيام بداية العودة إلى دوامة الوسواس، فهل يعقل أن أكون قصدت في النذر أي مرة نزل مني الدم فيها؟ يبدو لي هذا الأمر صعبا، ولكنني غير متأكدة هل إذا رأيت دما بصفة عارضة مثلا بعد الجماع علي 10ركعات جدد؟.
أفتوني جزاكم الله خيرا فأنا في حاجة إلى رأي محايد من ذي علم، فهل ما أصليه من نوافل يقضي عني النذر؟ أم يجب أن أستحضر نية الوفاء بالنذر كلما صليت؟ والآن أنا حامل، لكنني أرى الدم من جرح بسبب مرض السكري الذي يسبب تعشيش بعض الفطريات بسبب الحكة، وهذا الدم يخرج عند الاستنجاء وفي بعض الأحيان عدة مرات في اليوم وقد يغيب بضعة أيام ثم يعود، وهذا منذ أكثر من شهر ـ في الأغلب ـ ومصدره جرح خارجي في حافة المهبل أفطن له عند التجفيف بالورق، ولم أعد أعرف متى يجب علي الوفاء بالعشر ركعات؟ فهل في كل يوم؟ أم مرة في الشهر؟ وهل يعد الدم الذي مصدره حكة أو جرح أو استحداد استحاضة عندما يخرج بصفة عارضة ومحدودة؟ أم أن الاستحاضة هي ما يخرج من الفرج ويغير لون الإفرازات التي تخرج من الفرج؟.
ندمت كثيرا على هذا النذر، ولكنني أحس أنه أصبح عبئا ثقيلا علي، فهذه التساؤلات أتعبتني وأريد أن أرتاح ويرتاح ضميري، فأرشدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله لك العافية من هذا الداء الذي ألم بك ـ وهو داء الوسوسة ـ فإنه داء عضال وهو من أخطر الأمراض وأكثرها إضرارا بدين العبد ودنياه.

ومن ثم، فنصيحتنا لك ولغيرك من المبتلين بهذا المرض: هي الإعراض عنه جملة وعدم الالتفات إلى شيء مما يعرض من الوساوس، فإن من استرسل مع الوسوسة أفسد حياته وأتعب نفسه، وكلما عولجت الوسوسة في باب نبتت على شكل آخر ولا علاج لذلك إلا باقتلاع داء الوسوسة من جذوره فيعرض العبد عن كل ما يعرض له من الوسوسة على أي شكل كانت وفي أي صورة أتت.

ثم اعلمي أن الظاهر من هذا النذر الذي نذرته أنه لا يقتضي التكرار فما دمت قد وفيت به وصليت الركعات العشر حين شفاك الله فقد برئت ذمتك ولا يلزمك تكرار الصلاة كلما مرضت وشفيت، فإن أدوات الشرط لا تقتضي التكرار إلا كلما، فما دمت لم تقولي كلما مرضت بالاستحاضة وشفيت سأصلي عشر ركعات فلا يلزمك وفاء بالنذر إلا مرة واحدة، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: وأدوات الشرط تنقسم إلى قسمين: ما يفيد التكرار وما لا يفيد التكرار، والذي يفيد التكرار ـ كلما ـ فقط. انتهى.

وعليه، فما دمت قد وفيت بنذرك فلا شيء عليك وقد برئت ذمتك ـ والحمد لله ـ ولكننا نحب أن ننبهك إلى بعض الأمور: منها: أن الراجح عندنا هو أن الصفرة والكدرة حيض في مدة العادة، وأما ما خرج عن مدة العادة من الصفرة أو الكدرة فلا يكون حيضا، وانظري تفصيل القول في هذا المسألة في الفتوى رقم: 117502.

والحديث الذي ذكرته ليس في البخاري بهذا اللفظ، وإنما لفظه في البخاري: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا.

وفي رواية أبي داود: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا.

وأما عن دم الاستحاضة: فهو الدم الذي يخرج في غير الحيض ويخرج من عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل قال ابن قاسم في حاشية الروض: والاستحاضة دم يخرج في غير أوقاته، فدم الحيض يخرج من قعر الرحم أسود محتدم، أي حار كأنه محترق، وأما دم الاستحاضة فهو مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل. انتهى.

ونختم بأن نكرر عليك ما وصيناك به أولا من ضرورة الإعراض عن الوساوس وعدم الالتفات إليها، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 51601.

والدم الذي ذكرت إن كان مصدره الجرح ـ كما قلت ـ فإنه دم فساد لا تتركي الصوم والصلاة لأجله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني