الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

شيوخنا الكرام، ما حكم سب الصحابة جهلاً وعقيدةً؟ وهل المباهلة لها صيغة معينة؟ وهل يصلح استخدامها في كل حال أم لها ضوابط وشروط وأحداث معينة؟ وهل المباهلة توجب العقاب على الكاذب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما سب الصحابة فقد بينا حكمه ومراتبه في الفتوى رقم: 129741، فلتنظر وما أحيل فيها، ولا شك في كون ال0عالم بفضائلهم ومناقبهم ويتعمد سبهم والطعن عليهم مع ذلك أعظم جرما وأكبر إثما ممن كان جاهلا بذلك، وإن كان لهذا الجاهل حظه من الإثم فإن فضائل الصحابة ومنزلتهم في الإسلام أظهر من الشمس في رابعة النهار.

ولا ينكر هذا إلا مكابر معاند للحق، وأما المباهلة فإنها جائزة، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران للمباهلة فامتنعوا كما هو معلوم في تفسير قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {آل عمران:61}، وانظر للفائدة حول تفسير الآية الفتوى رقم: 136844، وصيغة المباهلة كما دلت عليه الآية هي أن يدعو المتباهلان بلعنة الله على الكاذب منهما.

ولا شك في كون من أقدم على هذا وهو يعلم كذب نفسه متعرض لعقوبة الله العظيمة وسخطه في الدنيا والآخرة، ولا تكون المباهلة إلا على أمر مهم مما له تعلق بالدين، فإذا أقيمت الحجة على المعاند ووضحت المحجة دعي إلى المباهلة، وقد تكلم القاسمي في تفسيره على حكم المباهلة وبعض شروطها فقال رحمه الله ما عبارته: استنبط من الآية جواز المحاجة في أمر الدين، وأن من جادل وأنكر شيئا من الشريعة جازت مباهلته اقتداء بما أمر به صلى الله عليه وسلم والمباهلة: الملاعنة.

قال الكازروني في تفسيره: وقع البحث عند شيخنا العلامة الدواني قدس الله سره في جواز المباهلة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب رسالة في شروطها المستنبطة من الكتاب والسنة والآثار، وكلام الأئمة، وحاصل كلامه فيها: أنها لا تجوز إلا في أمر مهم شرعاً، وقع فيه اشتباه وعناد لا يتيسر دفعه إلا بالمباهلة، فيشترط كونها بعد إقامة الحجة والسعي في إزالة الشبهة وتقديم النصح والإنذار وعدم نفع ذلك، ومساس الضرورة إليها.

قال الإمام صديق خان في تفسيره: وقد دعا الحافظ ابن القيم رحمه الله من خالفه في مسألة صفات الرب تعالى شأنه وإجرائها على ظواهرها من غير تأويل ولا تحريف ولا تعطيل إلى المباهلة بين الركن والمقام، فلم يجبه إلى ذلك، وخاف سوء العاقبة .

وتمام هذه القصة مذكور في أول كتابه المعروف بـ " النونية " - انتهى - وقد ذكر في زاد المعاد في فصل فقه قصة وفد نجران ما نصه: ومنها أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله ولم يرجعوا، بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله سبحانه بذلك رسوله، ولم يقل: إن ذلك ليس لأمتك من بعدك.

ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين، ولم ينكر عليه ذلك، وهذا من تمام الحجة - انتهى.

ويرى بعض العلماء أن المباهلة تكون مع قوم يخافون الله ويحذرون نقمته، وأما أهل الزيغ والنفاق الذين لا يرجون جنته ولا يخشون ناره فلا فائدة من مباهلتهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني