الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحلف كذبا لإرضاء الوالد

السؤال

هل يجوز الحلف كذبا لإرضاء الوالد، إذا كان غضبه شديدا جداً؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن من المعلوم بالضرورة عند المسلم، أن الكذب حرام، وقد حذر الإسلام منه أشد التحذير، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يهدي إلى الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار. ففي صحيح البخاري، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

ولم يرخص فيه الإسلام إلا في حدود ضيقة كالضرورات التي تبيح المحظورات، وتقدر بقدرها، أو المصلحة الشرعية التي لا يمكن تحقيقها بغيره، وما دام المسلم يجد مندوحة عن الكذب، فلا يجوز له ارتكابه.

ويكون الأمر أشد، والتحريم أغلظ إذا كان مع الكذب حلف عليه، فهذا هو اليمين الغموس، الذي هو من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.

وبناء على ما تقدم، فإن عليك تجنب الكذب، وبالأحرى تجنب الحلف عليه؛ لما قدمنا. وإن احتجت لشيء منه لدواع معينة، فلتستخدم التورية، والمعاريض، وذلك بأن تتكلم بكلام له معنى ظاهر، ومعنى آخر خفي، ومقصودك هو المعنى الخفي، وذلك جائز، وفيه مندوحة عن الكذب، وقد بوب الإمام البخاري لذلك فقال: باب المعاريض مندوحة عن الكذب..

فإن لم تستطع شيئا من ذلك، وكنت إذا أخبرت الوالد بالحقيقة، غضب عليك غضبا شديدا، وحصلت لك بذلك مشقة بالغة، وكان الكذب لا يتضرر منه شخص آخر، فيجوز الكذب حينئذ، وإذا جاز الكذب، جاز تأكيده باليمين.

قال الشيخ بن باز رحمه الله: الأصل في الكذب أنه لا يجوز إلا في ثلاث، تقول أم كلثوم بنت عقبة- رضي الله عنها- أنها سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يرخص في الكذب في ثلاث: (في الحرب - في الجهاد إذا كذب الأمير لمصلحة تنفع المسلمين -، وفي الإصلاح بين الناس - الإصلاح بين المتخاصمين -، وهكذا الرجل مع زوجته، والزوجة مع زوجها) لا بأس، أما الكذب على أمك، أو على أبيك فلا يجوز، بل ينبغي لك تحري الصدق، والعناية بالأسلوب الحسن، والحرص على رضاهما بكل وسيلة مباحة، لكن لو قدر أن هناك مسألة إذا صدقت فيها، غضبوا عليك، وصار بينك وبينهم مشقة كبيرة، والكذب لا يضر أحداً من الناس، ولكن يرضيهما، ولا يضر أحداً من الناس، فهو من جنس الإصلاح، لا حرج عليك فيه عند الضرورة، فيدخل في قسم الإصلاح، إذا كان كذباً لا يضر أحداً من الناس، وإنما يحصل به رضا الوالدين، وعدم زعلهما عليك أو سبهما لك. اهـ.

وجاء في كتاب مسائل الإمام ابن باز للشيخ عبد الله بن مانع: - ردا على سؤال يقول: هل يحلف كاذبا لامرأته؟

ما نصه: ظاهر الحديث: يكذب فيما يتعلق بهما مما لا يضر، ولو حلف على مباح فلا يحنث ؛ لأنه مباح له. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني