الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإقسام على الله تعالى

السؤال

كنت أمارس العادة السرية، ولكنني حاولت مرارًا وتكرارًا أن أتوقف عنها، ولم أستطع، فقلت بلساني: "والله يا رب إن فعلتها مرة أخرى، فلا تحقق لي شيئًا كنت أنتظر حدوثه، وهو شيء مهم" وتوقفت عنها لمدة كثيرة، ولكن أغرتني الشهوة، وفعلتها مرة واحدة بعد ذلك، وأنا نادم الآن لفعلها، مع العلم أني قلت هذا الحلف لأمتنع عن فعلها، لا لعدم حدوث هذا الشيء؛ لذلك ربطتها بشيء قيم، فهل هذا يعني أن ما أنتظره لن يحدث، مع العلم أني أجتهد في ذلك الشيء؟ وهل هناك أحاديث تؤكد ذلك؟ وهل هناك كفارة لهذا الحلف من صيام، أو صدقة؟ وماذا أفعل لتحقيق هذا الشيء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي يظهر لنا، أن الصيغة التي ذكرها السائل ـ وهي قوله: (والله يا رب إن فعلتها مرة أخرى، فلا تحقق لي شيًئا ... الخ) ـ لها حكم القسم على الله تعالى، أن لا يفعل هذا الشيء المراد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا أقسم على الله تعالى مثل أن يقول: "أقسمت عليك يا رب لتفعلن كذا" ... هذا من باب الحلف بالله لتفعلن هذا الأمر، فهو إقسام عليه تعالى به، وليس إقسامًا عليه بمخلوق. اهـ.

فحكم الإقسام على الله تعالى في هذه الصورة، عند شيخ الإسلام، هو حكم من حلف على شخص ليفعلن كذا، وهذا عنده يحنث إن قصد الإلزام، وإلا فلا يحنث، جاء في المستدرك على مجموع الفتاوى: اختار الشيخ تقي الدين ـ رحمه الله ـ فيمن حلف على غيره ليفعلنه، فخالفه، لم يحنث إن قصد إكرامه، لا إلزامه؛ لأنه كالأمر، ولا يجب؛ لأمره صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بوقوفه في الصف، ولم يقف، ولأن أبا بكر أقسم ليخبرنه بالصواب والخطأ لما فسر الرؤيا، فقال: لا تقسم؛ لأنه علم أنه لم يقصد الإقسام عليه، مع المصلحة المقتضية للكتم. اهـ.

وعلى ذلك؛ فلا يكون للإقسام على الله كفارة؛ لأنه لا يقصد منه الإلزام قطعًا، كما سبق أن نبهنا عليه في الفتوى رقم: 110864.

وإنما عليك أن تستغفر الله تعالى، وتتوب إليه من هذا الفعل المحرم -العادة السرية- وكذلك من الدعاء بما فيه ضررك؛ فإنا قد نُهينا عن الدعاء على النفس، والأهل، والمال، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 10859، 287287، 64022.

فإن فعلت ذلك، وأتبعت دعاءك هذا، بدعاء الله عز وجل أن يحقق لك مرادك في الخير، فإنا نرجو أن لا يصيبك شيء من دعائك الأول؛ فإن من رحمة الله أنه لا يستجيب مثل هذا الدعاء؛ قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {يونس:11}.

قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن حلمه، ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفًا، ورحمة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني