الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وضع إعلان لموقع إسلامي في مواقع تحوي مخالفات شرعية

السؤال

سؤالي يختص بالمواقع على الشبكة العنكبوتية، أنا أمتلك موقعا والحمد لله، أرجو من الله أن يكون بابا للحسنات، مشكلتي هي ما يعرف بالإعلانات، سواء عن موقعي في مواقع أخرى، أو أن موقعا يعلن عندي كدعاية لموقعه فهل يجوز أن أنعت موقعي بالموقع الإسلامي، وأنا أقوم بالإعلان عن موقعي في مواقع مليئة بالمخالفات الشرعية من الاختلاط والأفلام والأغاني وصور وأخبار الفنانين أي أدفع مالا لمثل هذه المواقع لأعلن عن موقعي، أو هل يجوز وأنا موقعي إسلامي أن أقبل الإعلان عن موقع به مخالفات شرعية واضحة داخل موقعي بحجة أن موقعي لا يحتوي على مخالفات شرعية، وأن صاحب الموقع هو من يتحمل وزر ما يحدث من مخالفات شرعية بموقعه، ويكون المال حلالا بالنسبة لي، فهل كلتا الحالتين تعد تعاونا على الإثم والعدوان حيث إن المال الذي أدفعه كإعلان عن موقعي يقوي الموقع الذي يحتوي على مخالفات شرعية، ويجعله يبقى ويقوى وينتشر أكثر على الشبكة العنكبوتية أو أن أقبل الإعلان لموقع به مخالفات شرعية فلهذا يعد نشرا وتعريفا بالموقع الفاسد، فبذلك أتحمل الإثم، ويكون مبلغ هذا الإعلان هو مال حرام أقبله على نفسي.
وسؤالي هذا أرجوكم إفادتي فيه لأني كل يوم في حسرة على مواقع تنعت نفسها بالمواقع الإسلامية ثم تعلن أو تقبل الإعلان عن مواقع الشيطان على الشبكة العنكبوتية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يوفقك أختنا إلى نشر الخير والدعوة إلى الله عن طريق موقعك هذا، وسؤالك يحتوى على أمرين:

فأما الأمر الأول وهو: حكم وضع إعلان لموقعك في موقع فاسد كما ذكرت، فالذي نراه أن هذا العمل جائز وهو من تقليل الفساد بقدر المستطاع، ومن محاربة المنكر عن طريق الدلالة على الخير، وأما المال المدفوع فليس قصدك منه تقوية هذا الموقع وإعانته بل تحقيق مصلحة الدلالة على الخير في مجتمع قد لا يجد من يأخذ بيده إلى الهدى، ولا يجد من المواقع حوله إلا كل خبيث، وهذه المسألة لها نظائر في الشرع، ومن أشهرها مسألة فداء أسرى المسلمين من أيدي الكافرين مقابل مال ندفعه لهم، ولا شك أن هذا المال يقويهم ولكن الأمر كما قال العز بن عبد السلام رحمه الله في قواعد الأحكام: ولكن قد يجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية بل لكونها وسيلة إلى تحصيل المصلحة الراجحة، وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربو على مصلحة تفويت المفسدة كما تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين من أيدي الكفرة والفجرة. انتهى.

وقال القرافي رحمه الله في الفروق: الْوَسَائِلُ وَالْمَشْهُورُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالذَّرَائِعِ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ قِيلَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفْضَتْ إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً فِي حُكْمِهَا مِمَّا أَفْضَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ كُلُّ ذَرِيعَةٍ يَجِبُ سَدُّهَا بَلْ الذَّرِيعَةُ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ بَلْ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ. انتهى .

فلا بأس بوضع إعلان لموقعك الإسلامي في المواقع التي بها مخالفات شرعية لأنك بهذا تقللين من الفساد وترشدين إلى الخير.

وأما الأمر الثاني في سؤالك: وهو وضع إعلان للمواقع المنحرفة في موقعك، فهذا غير جائز، فلا يجوز الإعلان عن المنكر والترويج له فهذا من الإعانة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2} ثم هذا الإعلان للموقع المنحرف دعوة إلى الضلالة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا رواه مسلم. وراجعي هذه الفتاوى التالية أرقامها: 121213، 106109، 113714، ففيها فوائد تتعلق بسؤالك، ونسأل الله لك التوفيق والثبات .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني