الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حسن الخلق والصدقة وسبيل اجتماع الزوجين في الجنة

السؤال

أنا أرملة منذ ستة أشهر عمري 36 عاما ولي ابن عمره 9 سنوات وقد توفي زوجي وعمره 35 سنة على حسن خاتمة حيث إنه توفي بعد الفجر وكان قائلا لدعاء سيد الاستغفار ودعاء ذي النون ودعاء سيدنا أيوب قبل الفجر على الرغم من أنه كان لا يعلم بأنه مرض وفاة لأن الأطباء كانوا يعتقدون أنه مجرد دور برد وقد غسله شيخ وتعجب من ظهور علامة عرق الجبين عليه على الرغم من صغر سنه ولقد رآها كل من دخل عليه وزوجي يشهد له كل من يعرفه بحسن الخلق وأنا أشهد له كزوجته أنه لم يرتفع صوته يوما أو يغضب على أي إنسان سواء أنا أو أهله أو أي شخص قريب أو بعيد مهما كانت همومه أو متاعبه ورغم أنه كان كثير الابتلاء منذ صغره وأحسبه أنه كان دائما صابرا وراضيا بقضاء الله وأريد أن أعرف تعليقكم على هذا وهل درجة الإنسان عند الله تقاس بكثرة العبادة أم أن حسن الخلق والصبر على البلاء والتصدق ممكن أن يرفعه إلى منزلة عالية عند الله إن كان مؤديا طبعا للفرائض الأساسية، وأريد السؤال عن أمر آخر وهو أنني كنت أحب زوجي بشدة وكل أملي أن فراقي له ليس أبديا وأنني سوف ألقاه في الجنة إن شاء الله وقد سمعت أن المرأة تكون في الجنة مع آخر أزواجها فهل يعد امتناعي عن الزواج من أجل رغبتي الشديدة في لقائه في الجنة إثم أو فتح لأبواب الفتنة مع العلم بأني مقتدرة ماديا ولا أحتاج لمن يعولني أنا وابنى وهل في صبري على عدم وجود زوج معي في الحياة وتربيتي لابني تربية إسلامية سليمة ثواب لي أحتسبه عند الله وأنا كنت معتدلة دينيا قبل وفاة زوجي ولكنى في زيادة في القرب من الله بعد وفاته وأدعو الله أن يكون زيادة قربي من الله في ميزان حسنات زوجي لأنها بسبب تأثير وفاته علي وعلى نظرتي للحياة فهل هذا جائز كما أنني نويت أن يكون كل ما أخرجه طوال حياتي من صدقات نية إخراجه مني ومن زوجي لأنني كنت أفعل هذا في حياته وأجدد دائما نيتي في ذلك فهل هذا أيضا جائز أفيدوني؟ أرجوكم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأحسن الله عزاءك في زوجك وجمعك به في الفردوس الأعلى، وأما درجة العبد عند الله ومنزلته في الجنة فإنها لا تكون بحسب كثرة العبادة من الصلاة والصيام ونحو ذلك فحسب، بل هناك غير ذلك من الأعمال ترفع صاحبها عند الله، ومن ذلك حسن الخلق، ويدل على ذلك عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته رواه أحمد وصححه الألباني وقوله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء. رواه الترمذي وقال حسن صحيح وأبو داود وأحمد وصححه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني.

ومن هذه الأعمال أيضا الصبر على البلاء فقد الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{ الزمر:10}.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها. رواه أبو يعلى وابن حبان والحاكم وحسنه الألباني.

ومنها الصدقة، فقد قال الله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92}.

وقال صلى الله عليه وسلم: كل امريء في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم وصححه الألباني.

وقال عمر رضي الله عنه: ذكر لي أن الأعمال تباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم. رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه على شرط الشيخين وصححه الألباني.

وأما كون المرأة لآخر أزواجها في الدنيا فقد وردت في ذلك عدة أحاديث تصح بمجموعها، أوردها الشيخ الألباني. فإذا صبرت ولم تتزوجي بعد زوجك وكنتما جميعا أهل الجنة فسوف يجمع الله بينكما فيها، وهذا أمر محمود طالما أنك لا تحتاجين إلى نفقة ولا تخافين على نفسك العنت ويكون في هذا وفاء زائد للزوج تشكرين عليه مع ما فيه من تربية وكفالة لابنك اليتيم.

ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى. واللفظ للبخاري.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده.

قال النووي: فيه فضيلة هذه الخصال وهي الحنوة على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم إذا كانوا يتامى. انتهى.

ومتى خشيت على نفسك الفتنة فبادري بطلب الزواج وعسى الله أن يبدلك خيرا من زوجك.

ولا بأس بإخراج الصدقة بنية أن تكون عنك وعن زوجك وثوابها لكما جميعا، وقد سبق بيان أن الصدقة عن المتوفى تنفعه بإجماع العلماء في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25888، 56783، 24769.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني