الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كيف يكون لي قلب أبيض، وماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلكي يكون قلبك أبيض لا بد من معرفة صفات هذا القلب وأعماله، ومن خلالها سيتبين لك كيف يكون لك قلب أبيض.

فالقلب الأبيض هو القلب الذي سلم من كل شبهة أو شهوة تعارض أمر الله عز وجل، هو القلب الذي سلم من الشرك والنفاق، وسلم من الغل والحقد والحسد، وهو الذي سلم من كل إرادة تعارض إرادة الله عز وجل، هو القلب الذي لم يصب بالقسوة ولم يختم عليه بالأختام، ولم يتدنس بالبدع والخرافات والأوهام وسوء الظن، هو القلب السليم الذي ينجو صاحبه يوم القيامة، كما قال تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. {الشعراء: 88-89}

قال الشيخ ابن السعدي في تفسيره: والقلب السليم معناه الذي سلم من الشرك والشك، ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب، ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه بأضدادها من الإخلاص، والعلم، واليقين ومحبة الخير، وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله، وهواه تابعا لما جاء عن الله.

والقلب الأبيض أيضا هو الذي إذا عرضت عليه فتنة رفضها وأنكرها ونفر منها؛ فيشرق لذلك الإيمان فيه فيبيض ويصبح منورا، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفات قلوب العباد فقال: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. رواه مسلم.

وأما الأفعال التي من فعلها كان قلبه أبيض، فهي بالابتعاد عن الإثم والبغي والغل والحسد، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

وكذلك من أهم ما يبيض القلب ويحفظ حياته المداومة على فرائض الله، والتقرب إليه سبحانه بالنوافل، ففي صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ.

ويكون لك قلب أبيض أيضا بدوام مجاهدة النفس على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة من تذكرك رؤيته بالله، ودعاء الله بأن يكون لك قلب أبيض سليم، والبعد عن الصفات الذميمة وأمراض القلوب، ومن أبلغ الأشياء في إحياء القلوب: تعلم العلم الشرعي، مع إدامة الذكر والتسبيح، وتلاوة القرآن بفهم وتدبر. ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 8371 ، 19176 ، 41702 ، ففيها الكلام على أنواع القلوب والقلب السليم وحقيقته، والطريقة المثلى للوصول إلى ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني