الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشارب.. بين الحف والحلق

السؤال

جرى النقاش بيني وبين مجموعة من الإخوة حول الشارب، فذكر لي أحدهم أن الذي ليس له شارب لا تقبل شهادته، وذكر أن ذلك قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكثير من العلماء والفقهاء، فهل هذا صحيح، وما الدليل على ذلك إن كان هذا صحيحاً؟ أرجو أن يكون الدليل صريحا وبدون تأويل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في حكم حف الشارب بالكلية حتى تظهر البشرة من تحته، فللحنفية قولان: أحدهما للمتأخرين والآخر للمتقدمين.

قال ابن عابدين في (رد المحتار): واختلف في المسنون في الشارب هل هو القص أو الحلق؟ المذهب عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص، قال في (البدائع): وهو الصحيح، وقال الطحاوي: القص حسن، والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثلاثة. ا.هـ

وقال الزيلعي في (تبيين الحقائق): قال فخر الإسلام البزدوي: واحتج أصحابنا -رحمهم الله- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى. والإحفاء: الاستصال، والقص محتمل، فيحمل على ما روينا لأنه محكم. ا.هـ

وذهب المالكية إلى حرمة حلقه بالكلية وتأديب فاعل ذلك، قال الدسوقي: تنبيه، يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه، ويؤدب فاعل ذلك، ويجب على المرأة حلقهما على المعتمد. وقال الباجي في (شرح الموطأ): روى ابن الحكم عن مالك: ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه، وروى أشهب عن مالك: حلقه من البدع. ا.هـ

وقد عد ابن فرحون في (تبصرة الحكام) حالق الشارب فيمن ترد شهادتهم، وذهب الشافعية في المذهب إلى المنع من الحف، وأن السنة هي الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة، قال النووي في (المجموع): ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله هذا مذهبنا، وقال أحمد رحمه الله: إن حفه فلا بأس، وإن قصه فلا بأس. ا.هـ

ودليل من قال بجواز الحف ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس.

وما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى. فحملوا النهك والحف والجز على الاستئصال.

قال الزيلعي نقلاً عن البزدوي: والإحفاء: الاستئصال. ا.هـ

وأما دليل من ذهب إلى عدم جواز الاستئصال فهو تفسير الجز والحف والنهك بالقص بما زاد عن طرف الشفة.

وحكى العراقي عن القاضي عياض التخيير بين الأمرين، كما في طرح التثريب.

وبناء على ما سبق، فقد تبين لنا أن الخلاف في المسألة قوي، ولذلك قال فيها بعض العلماء بالتخيير، وإن كنا نرجح أن التقصير أولى من الحف، لما في رواية النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس من الفطرة: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وتقصير الشارب.

فقد صرحت هذه الرواية بالتقصير فتحمل عليها الروايات الأخرى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني