الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دلالة حديث " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"

السؤال

في الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يريد من إثنين من الصحابة الإسراع في الذهاب إلى مكان ما.. فقال لهما في ما معناه: "لا تصليان العصر إلا في..... (هذا المكان)"، فحينما كانا في الطريق، وقد أوشك وقت العصر أن ينتهي، صلى أحدهما العصر (لأنه فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد الإسراع منهما فقط، وليس تأخير العصر).. أما الآخر فلم يصل إلا في المكان الذي حدده له الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما عرف ذلك الرسول، أقر كلاهما.. فسؤالي هو: هل تؤخذ النصوص بظاهر المعنى أم المقصود، وكيف أخر الصحابي الصلاة ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أريد أن أفهم وأتفقه أكثر في هذه النقطة؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث الذي أشرت إليه وارد في الصحيحين في قصة بني قريظة وليس هو أمراً لاثنين من الصحابة فحسب، وإنما هو أمر لمجموع الصحابة، وكل طائفة منهم اجتهدت فأصابت، فالذين أخروا صلاة العصر حتى وصلوا إلى بني قريظة تمسكوا بظاهر خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، والذين صلوا العصر في وقتها نظروا إلى المعنى المقصود وهو الإسراع في السير لا حقيقة اللفظ.

وهذا الحديث جعله أهل العلم دليلاً على أن من يحق له النظر في الأدلة يجوز له الأخذ بظاهر الدليل من الكتاب والسنة، كما يجوز له استنباط الأحكام منهما عن طريق الاجتهاد أو القياس أو الأخذ بالمفهوم، ففي أعلام الموقعين للإمام ابن القيم: وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم؛ كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال: لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس. انتهى.

وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: قال السهيلي وغيره: في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب. انتهى.

وفي شرح النووي لصحيح مسلم: فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظراً إلى المعنى لا إلى اللفظ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت، وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته فأخروها. ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين لأنهم مجتهدون. ففيه دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى ولمن يقول بالظاهر أيضاً، وفيه أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد، وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب. انتهى.

مع التنبيه أن الأصل العمل بظاهر النص من كتاب أو سنة حتى يثبت ما يصرفه عن ظاهره من دليل أو قرينة، ففي المحصول للرازي: وحمل اللفظ على ما يطابق الظاهر أولى من حمله على ما يوجب ترك الظاهر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني