الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الربا في دار الحرب و دار الإسلام

السؤال

السادة المشايخ ما سبب ورود حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: لا ربا بين مسلم وكافر فى ديار الكفر. أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وما هي المناسبة التي قيل فيها هذا الحديث، وأين قالها أفي المدينة أم خارجها، ولمن قالها؟ ولكم مني جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأنا لم نجد من ذكر سبب ورود هذا الحديث مع العلم بأن الحديث ضعيف فهو مرسل أرسله مكحول وهو تابعي. وقد اختلف العلماء في العمل به وفي معناه، أما في معناه فحمله النووي وابن قدامة لو ثبت على أن المراد به النهي عن الربا في دار الحرب، كقوله: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ. وكقوله: لا ضرر ولا ضرار.

وحمله بعض الحنفية على نفي الربا، وأما حكم الربا في دار الحرب فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه حرام في دار الحرب كحرمته في دار الإسلام، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواء بين المسلمين وبين أهل الحرب، أو بين مسلمين لم يهاجرا من دار الحرب، وبهذا قال الشافعية والمالكية والحنابلة، وأبو يوسف من الحنفية، وقالوا: إن النصوص في تحريم الربا عامة، ولم تفرق بين دار ودار، ولا بين مسلم وغيره وهذا هو الموافق لما علم في الإسلام من العدل في المعاملات مع الكفار والوفاء. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مسلمين لم يهاجرا من دار الحرب، واحتجوا بالحديث: لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب.

قال ابن قدامة في المغني: ويحرم الربا في دار الحرب، كتحريمه في دار الإسلام، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف والشافعي وإسحاق. وقال أبو حنيفة: لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب، وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب، لا ربا بينهما. لما روى مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب. ولأن أموالهم مباحة، وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحاً. ولنا، قول الله تعالى: وحرم الربا. وقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل. وقوله: من زاد أو ازداد فقد أربى. عام، وكذلك سائر الأحاديث. ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين، وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن، وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه، بخبر مجهول، لم يرد في صحيح، ولا مسند، ولا كتاب موثوق به، وهو مع ذلك مرسل محتمل، ويحتمل أن المراد بقوله: لا ربا. النهي عن الربا، كقوله: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ....

وفي المجموع شرح المهذب عند الكلام على الربا:

ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب، فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب، سواء جرى بين مسلمين أو مسلم وحربي، سواء دخلها المسلم بأمان أم بغيره هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب، ولا بين مسلمين لم يهاجرا منها، وإذا باع مسلم لحربي في دار الحرب درهما بدرهمين أو أسلم رجلان فيها ولم يهاجرا فتبايعا درهما بدرهمين جاز، واحتج له بما روى عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب ولأن أموال أهل الحرب مباحة بغير عقد، فالعقد الفاسد أولى، واحتج أصحابنا بعموم القرآن والسنة في تحريم الربا من غير فرق، ولأن ما كان ربا في دار الإسلام كان ربا محرما في دار الحرب، كما لو تبايعه مسلمان مهاجران، وكما لو تبايعه مسلم وحربي في دار الإسلام، ولأن ما حرم في دار الإسلام حرم هناك، كالخمر وسائر المعاصي، ولأنه عقد على ما لا يجوز في دار الإسلام، فلم يصح كالنكاح الفاسد هناك والجواب: عن حديث مكحول أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولنا على أن معناه لا يباح الربا في دار الحرب جمعاً بين الأدلة.

وأما: قولهم: إن أموال الحربي مباحة بلا عقد، فلا نسلم هذه الدعوى إن دخلها المسلم بأمان، فإن دخلها بغير أمان فالعلة منتقضة كما إذا دخل الحربي دار الإسلام فبايعه المسلم فيها درهما بدرهمين، وأنه لا يلزم من كون أموالهم تباع بالاغتنام استباحتها بالعقد الفاسد ولهذا تباح أيضاً على نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني