الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قول الله تعالى: إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك

السؤال

في سورة المائدة الآيتان 38/39 كيف لمؤمن أن يقول لأخيه إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك. ما معنى إني أريد في هذا السياق أو كيف يفهم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المسلم لا يتمنى الشر لأخيه ولا يحب له الوقوع في المعصية.

وأما آية المائدة فقد قال فيها ابن عطية: وقوله: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " الآية. ليست هذه بإرادة محبة وشهوة وإنما هو تخير في شرين كما تقول العرب في الشر خيار، فالمعنى إن قتلتني وسبق بذلك قدر فاختياري أن أكون مظلوما سيستنصر الله لي في الآخرة، وتبوء معناه تمضي متحملا .... اهـ

وقال البغوي: { إني أريد أن تبوء } ترجع، وقيل: تحتمل، { بإثمي وإثمك } أي: بإثم قتلي إلى إثمك، أي: إثم معاصيك التي عملت من قبل، هذا قول أكثر المفسرين. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: معناه إني أريد أن يكون عليك خطيئتي التي عملتها أنا إذا قتلتني، وإثمك فتبوء بخطيئتي ودمي جميعا، وقيل: معناه أن ترجع بإثم قتلي وإثم معصيتك التي لم يتقبل لأجلها قربانك، أو إثم حسدك. فإن قيل: كيف قال: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك، وإرادة القتل والمعصية لا تجوز؟ قيل ليس ذلك بحقيقة إرادة، ولكنه لما علم أنه يقتله لا محالة وطن نفسه على الاستسلام طلبا للثواب فكأنه صار مريدا لقتله مجازا، وإن لم يكن مريدا حقيقة، وقيل: معناه إني أريد أن تبوء بعقاب قتلي فتكون إرادة صحيحة، لأنها موافقة لحكم الله عز وجل، فلا يكون هذا إرادة للقتل، بل لموجب القتل من الإثم والعقاب، { فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين } اهـ.

وقال ابن الجوزي: قوله تعالى: إني أريد أن تبوء باثمي وإثمك فيه قولان: أحدهما: إني أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي في عنقك. هذا قول ابن مسعود، وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك. والثاني: أن تبوء بإثمي في خطاياي وإثمك في قتلك لي. وهو مروي عن مجاهد أيضا. قال ابن جرير: والصحيح عن مجاهد القول الأول، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل. فإن قيل: كيف أراد هابيل وهو من المؤمنين أن يبوء قابيل بالإثم وهو معصية والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه ما أراد لأخيه الخطيئة، وإنما أراد إن قتلتني أردت أن تبوء بالإثم وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج. والثاني: أن في الكلام محذوفا تقديره إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك فحذف لا كقوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم لقمان 10 أي أن لا تميد بكم ومنه قول امرئ القيس ... فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ... أراد لا أبرح وهذا مذهب ثعلب. والثالث: أن المعنى أريد زوال أن تبوء باثمي وإثمك، وبطلان أن تبوء باثمي وإثمك، فحذف ذلك وقامت أن مقامه كقوله: وأشربوا في قلوبهم العجل البقرة 93 أي حب العجل ذكره والذي قبله ابن الأنباري. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني