الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المتكلمون في المهد

السؤال

من هم الذين أنطقهم الله في المهد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد أخرج البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ
فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ.

وظاهر الحديث أن الذين تكلموا في المهد ثلاثة فقط، إلا أنه قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث إذا جمعت يصير فيها عدد من تكلموا في المهد سبعة، لكن قال الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ولم أجد في حديث صحيح ما ينافي هذا الحصر الوارد في حديث الصحيحين؛ إلا ما في قصة غلام الأخدود.. ففيها أنه قال لأمه: "يا أمه اصبري فإنك على الحق!" رواه أحمد من حديث صهيب مرفوعاً بسند صحيح على شرط مسلم ... إلى أن قال رحمه الله: "وقد جمع بين هذا الحديث وحديث الصحيحين -وهو حديث أبي هريرة السابق- بأن حمل هذا على أنه لم يكن في المهد. والله أعلم. انتهى.
وهذا الذي ذكره الألباني هو مقتضى كلام النووي -رحمهما الله - في شرحه على صحيح مسلم فقد قال: قوله صلى الله عليه وسلم: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة " فذكرهم، وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب وقصة أصحاب الأخدود المذكورة في آخر صحيح مسلم. وجوابه: أن ذلك الصبي لم يكن في المهد، بل كان أكبر من صاحب المهد، وإن كان صغيراً. انتهى.
وعلى هذا.. فالذي يترجح لنا أن الذين تكلموا في المهد ثلاثة فقط -كما هو ظاهر حديث أبي هريرة السابق- وهم عيسى ابن مريم عليه السلام، وصاحب جريح ، وصاحب الجبار.
فائدة: قال الألباني رحمه الله: وقد روى ابن جرير بإسناد رجاله ثقات عن ابن عباس أن الشاهد "يعني: شاهد يوسف عليه السلام" كان رجلاً ذا لحية، وهذا هو الأرجح، والله أعلم. انتهى.
وقال أيضاً رحمه الله: (فائدة) ما ذكر في بعض كتب التفسير وغيرها أنه تكلم في المهد أيضاً إبراهيم ويحيى ومحمد صلى الله تعالى عليهم أجمعين، فليس له أصل مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاعلم ذلك.. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني