الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام تقديم الأخ على الزوجة في النفقة من حيث الحرمة وغيرها

السؤال

ما حكم إنفاق الأخ على أخيه في حين أن بيته محتاج: فزوجي يعطي أخاه نفقة شهرية من مكافأة العمل في حين أن بيتنا تنقصه أشياء كثيرة، مع العلم أن أخاه يعمل وزوجته تعمل، وهو الأخ الأصغر ويكسب أقل من زوجي، ولكن إحساس زوجي بالمسئولية تجاهه يجعله يريد الإنفاق عليه دائما ويقاسمه أي مكسب يأتينا، أليس الأولى أن ينفق على بيته؟ وأنا لا أعمل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان ما يحتاجه بيت الزوجية هو مما تشق المعيشة بدونه عادة كالأَسرّة والثلاجة وآلة الطبخ، فهذا داخل في النفقة الواجبة على الزوج، لأنها من مستلزمات المسكن وتوابعه، كما قرره أهل العلم في شروط بيت الزوجية: أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلاً عَلَى جَمِيعِ مَا يَلْزَمُ لِمَعِيشَةِ أَمْثَالِهِمَا عَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى جَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرَافِقِ اللاَّزِمَةِ. اهـ من الموسوعة الفقهية.

والمقصود بحسب يسار وإعسار كل من الزوجين، قال الفتوحي في المنتهى معرفا النفقة الواجبة شرعا: كِفَايَةُ مَنْ يَمُونُهُ خُبْزًا وَإِدَامًا وَكِسْوَةً وَسَكَنًا وَتَوَابِعَهَا.

وللمزيد في ضبط النفقة الواجبة على الزوج عند الفقهاء تنظر الفتويان رقم: 50068 ، ورقم: 105673 .

ولا يجوز للزوج أن يقدم أخاه على أهل بيته في النفقة إلا بعد أداء النفقة الواجبة لأهل بيته، فعن أبي هريرة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال: امرأتك ممن تعول، تقول: أطعمني وإلا فارقني، جاريتك تقول: أطعمني واستعملني، ولدك يقول: إلى من تتركني. رواه أحمد والدارقطني، قال أبو البركات: بإسناد صحيح.

ولأن نفقة الزوجة من باب المعاوضة ونفقة القريب من باب المواساة، والمعاوضة مقدمة على المواساة، كما بيناه في الفتوى رقم: 70923 .

فإذا أدى الزوج النفقة الواجبة عليه لزوجته جاز له النفقة على الأخ والقريب، ولم يكن لها الاعتراض عليه، فالناس مسلطون على أموالهم وقد أدى لها ما عليه، فإن كان الأخ مستحقا للنفقة من أخيه وجب على الزوج الإنفاق على أخيه قدر كفاية الأخ ومن يعول، وتنظر شروط وجوب النفقة على الأخ على القول الراجح والأقوال في المسألة في الفتويين رقم: 64789 ، ورقم: 44020.

وأما إن لم تلزم الزوج نفقة أخيه وكان الأخ محتاجا، فالأولى هو التصدق عليه لقرابته، قال الموفق ابن قدامة: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ، صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ـ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَأَلَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا وَبَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ـ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ عَلَى مِنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ {البلد: 16}. اهـ.

فإن لم يكن الأخ محتاجا فالتصدق على الفقراء أولى من زيادة الإنفاق عن قدر الكفاية على النفس والأهل والقريب، قال ابن مفلح: وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يمونُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ {البقرة: 219} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ، وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَطِيبُ بِهِ. اهـ.

فإذا تقرر ما سبق اتضحت للسائلة الكريمة أحكام تقديم الأخ على الزوجة في النفقة من حيث الحرمة والوجوب والجواز والأولوية، وأن العبرة ببلوغ حد الكفاية بقطع النظر عن الحالة الوظيفية للزوجين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني